لا اغتيال.. بل مهمة أخيرة لـِ”النبيه”

haraket amal

كثيرةٌ هي الألقاب التي وُصِف بها، “صمام الأمان”، “ضمانة الوحدة الوطنية”، “ساحر الأرانب”..، وفي كلها قد يكون بعض الصحة، طالما أنه لم تَخْرج اصواتٌ كافية فَنَّدَت عدم صحة هذه الالقاب.

لقد حالف الكثير مِن الحظ، رئيسَ حركة أمل نبيه بري، منذ ان سَكَت مدفع الحرب. فقد شارك في سلطة ما بعد الطائف بصفة الشريك الشيعي الاقوى، كي لا نقول الوحيد. وفي مرحلة ما بعد “التحرير” عام 2000، وخصوصاً بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، شارك “النبيه” في السلطة بصفة الشريك الشيعي “المدني” الوحيد، في شراكة مطلقة مع الشريك الشيعي الآخر، “غير المدني”، وهو حزب الله. واليوم، يُفاوض ليس بإسم “الشيعية السياسية”، أو مَن تبقَّى منها، بل يَكاد هو الناطق الوحيد الجدِّي باسم لبنان “الرسمي”.

وبالتوازي، خَرَجت أصواتٌ في الداخل اللبناني، مُنَظَّمة وليست عفوية، لِتتحدث عن ما يُشبه الضغوطات الخارجية على رئيس البرلمان، وصولاً للحديث عن “اغتيال”، فِعْلي لا معنوي، قد يَستهدف “النبيه”، نتيجةَ “عناده وتمسكه بالثوابت الوطنية وفي مقدمتها المقاومة”، هكذا يقولون.

صحيح أن المعلومات والاحاديث والتسريبات والوشوشات، القادمة من الخارج، جَزَمت بأن تسويةً ما قيد الطبخ، وأنها صارت في مراحلها الاخيرة، إلا أن كل ذلك لا يعني ان الامور ستعود، لحظة “تقريش” التسوية واقعياً وفعلياً في الداخل اللبناني، الى ما كانت عليه قبل 8 تشرين الاول 2023، اي قبل لحظة قرار “إسناد غزة”.

بكلام آخر، لا يمكن متابعة اللبناني لحياته وكأن شيئاً لم يَحدُث، أو كأنَّ موازين القوى في الداخل ما زالت على حالها، أو كأنَّ السطوة بفعل السلاح ما زالت جاثمة على صدور اللبنانيين، أو كأنَّ الدولة “الشرعية” ستبقى مُكَبَّلة ومُقيدة بشروط الدُوَيْلة وأجنداتها الخارجية.. فليس هناك سوى الساذج، او الحالِم، يعيش حالة إنكار لما حصل ويحصل.

فالتسوية القادمة لن تُعيد بَثّ الحياة في رميم الدُوَيْلة. لهذا سَمعنا هذه الاصوات التي سَوَّقت لـِ”اغتيال” ما سَيَطال “النبيه”، لانها لَم تَفْهم، بل لَم تتقبل، ان هذا “الساحر” قد انتهى عرضُه، وعليه لَمْلَمة أرانبه وقُبعاته ومغادرة المسرح.

إنما، لا يُمكن ترك السلاح الشيعي بلا رأس يضبط الإيقاع، وإلا اشتعل الاقتتال الشيعي-الشيعي، وفُتِحت دفاتر الماضي، والتي لم تُغلق يوماً على الرغم مِن كل التطمينات و”إبر المورفين”. فالواقع الشيعي اليوم، وإذا ما تم استكمال إلغاء رؤوسه، فعلياً أو سياسياً، قد يَفتح حرباً “بين الاخوة”، ضارية جداً، لأن كِلا الطرفَيْن مُدجّج بالسلاح الجاهز والمناسب لإشعال البلد. فنكون أمام “7 ايار”، إنما هذه المرة “شيعية-شيعية”. من هنا، المطلوب دولياً، الحفاظ على “مايسترو”، صاحب خبرة في ضبط الإيقاعات، و”النبيه”، صاحب الخبرة الاطول في هذا المجال.

لذا، فإن مهمة رئيس المجلس هي ضبط إيقاع تثبيت التسوية في الداخل اللبناني، وتحديداً على المستوى الشيعي، في المرحلة القادمة، والتي صارت على الابواب. و”النبيه” يُدرك جدياً، بأنه متى هبَّت رياحُ التسوية الخارجية، ليس أمامه سوى ركوب السفينة وتوجيه شراعها مع اتجاه الرياح القادمة، ليسير معها، مُلْتَحقاً بها، عَلَّه يَحجُز له موطئ قدم في الميناء المنتظر.

إذا، هو اليوم حاجة، بلا شك، إلا أن هذه “الحاجة” أَشْبه بالمهمة الأخيرة، و”النبيه” سيؤديها على أكمل وجه، كعادته.. و”اسْتِرُوا ما شِفْتوا مِنّا”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: