بخصوص الميثاقية… والمناصفة

saray houkoume

يتكلم البعض عن الميثاقية كوصفة à la carte يستخدمونها متى يشاؤون، وينسونها متى يشاؤون.

فللتذكير، إن الميثاقية أساسها دستوري أولًا، وتتجلّى في مقدّمة الدستور لجهة اعتبار أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.

وفي موضوع المناصفة، فإن المادة ٩٥ من الدستور نصّت بوضوح على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، دون "عداد" ولا حسابات سياسية ضيّقة.

وبالتالي، لا يحق لأي طرف سياسي المسّ بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين، لأن تلك المناصفة قاعدة دستورية واضحة لا مجال لتعديلها إلّا وفق أصول تعديل الدساتير.

فليست لا منّة من أحد على أحد، ولا مكرمة من فريق لفريق، ولا جائزة ترضية، بل حقيقة مترسخة ومتجذّرة في عمق كيانية دولة لبنان.

أما الميثاقية، والتي تكلمت عنها مقدّمة الدستور كأساس لشرعية أيّة سلطة، فهي تفترض الآتي:

أولًا:

تشكيل السلطات، وليس حساب الأنصبة في الاجتماعات.

الميثاقية تتعلق بالسلطة، لا بالمواقف. والدستور في مقدمته تكلم عن السلطة، لا عن اجتماعات أو مواقف انسحاب من اجتماعات.

فالميثاق يشرعن السلطات فقط، بمعنى أنه في الباب الثاني من الدستور، بعنوان "السلطات"، هناك: السلطة التشريعية، والسلطة الإجرائية، والسلطة القضائية، وهي السلطات المقصود أن تكون شرعيتها منبثقة من ميثاق العيش المشترك.

وبالتالي، أمام صراحة النص، لا مجال للاجتهاد. وكل البدع التي حصلت منذ أيام النظام الأمني اللبناني - السوري لتوسيع تفسير الميثاقية، وما تتداوله بعض أبواق الثنائي حاليًا، إلا من باب العبثية والبطلان.

ثانيًا:

وانطلاقًا من الملاحظة أعلاه، على السلطات الثلاث أن تكون مكوّنة من كافة الطوائف المتمثلة بالميثاق الوطني وميثاق العيش المشترك، بحيث إنه في حال تمّ تشكيل أو تأليف أيّ من هذه السلطات من دون تمثيل ميثاقي، نكون أمام حالة عدم ميثاقية وطنية تفقد السلطة المعنية شرعيتها.

فلا ذكر والحالة هذه عن ميثاقية خارج السلطات، كمثلًا اجتماعات مجلس الوزراء، التي وإن انسحب منها وزراء من طائفة معينة، لا يؤدي ذلك إلى ضرب ميثاقية السلطة الإجرائية التي يتولاها مجلس الوزراء مجتمعًا، وفق أحكام المادة ٦٥ من الدستور.

لكن في حال استقالة وزراء من طائفة معينة من الحكومة، عندها تفقد الحكومة ميثاقيتها كسلطة إجرائية، ما لم يُبرر استمرار عمل السلطة رغم غياب مكوّن طائفي عنها بأسباب خطيرة أو ظروف استثنائية تستوجب استمرار المرفق العام، حيث إن الضرورات عندها تبيح المحظورات.

ثالثًا:

وانطلاقًا من الملاحظات أعلاه، نسأل من يريد استخدام الميثاقية كسلاح سياسي، وهي – وكما قلنا – حقيقة دستورية صميمية في الكيان القانوني للدولة:

          •         هل كان قرار الدخول في حرب الإسناد ميثاقيًا؟

          •         هل كان قرار دخول الحرب الأهلية في سوريا ميثاقيًا؟

          •         هل كان قرار تهريب الكابتاغون والسلاح إلى الدول العربية الشقيقة ميثاقيًا؟

          •         هل قرارات إقفال مجلس النواب أمام ممثلي الأمة اعتباطيًا كانت ميثاقية؟

          •         هل حمل السلاح غير الشرعي ميثاقي؟

علمًا أن اتفاق الطائف في الفقرة ثالثًا منه، تحت عنوان “تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي”، يتكلم عن التمسك باتفاقية الهدنة الموقعة في ٢٣ آذار ١٩٤٩، والتي تتجاهلها الطبقة الحاكمة منذ ثلاثين عامًا…

وعلمًا أن بند اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي هو للتمكن من:

أ - بسط سيادة الدولة (لا بسط سيادة الميليشيات والسلاح غير الشرعي)

ب - نشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود (لا لسيطرة الحزب على منطقة الحدود ومنع الجيش من الانتشار، كما حصل في السابق حين كان الحزب يعتبر إرسال الجيش إلى الجنوب عملًا عدائيًا ضده)

ج - العمل على تدعيم وجود قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني لتأمين الانسحاب الإسرائيلي (في وقت تتوافق حاليًا سياسة الحزب مع سياسة إسرائيل في الاعتداء على قوات اليونيفيل في الجنوب والاعتداء عليها لإخراجها)

وبالتالي، أين شرعنة "الطائف" لسلاح حزب الله؟

فالإجراءات التي نص عليها البند المشار إليه لا تعني مبادرات أهلية، ولا السماح بتكوين ميليشيات مسلّحة، بل إجراءات تتخذها الدولة لتحرير جميع الأراضي، وتحقيق ما ذكرناه أعلاه من بسط سيادة الدولة ونشر الجيش… أمور لم تحصل قط، بدليل حالة الجنوب التي استمرت لعقود تحت سيطرة الحزب بدل الدولة، وسيطرة السلاح غير الشرعي بدل الشرعي، واستباحة الأراضي والمساحات لفتح جبهات ودعم فصائل مسلّحة غير لبنانية في عملياتها ضد إسرائيل انطلاقًا من الأراضي اللبنانية.

أما ادعاء شرعنة المقاومة في البيانات الوزارية، فادعاء غير قانوني وغير صحيح:

أولًا:

لأن البيانات الوزارية ليست محررات دستورية، بل هي برامج عمل سياسي للدولة، وبالتالي لا تُضفي البيانات الوزارية أيّة شرعية على عمل أو مشروع ما، ما لم يكن وليد قرار الدولة ومن صلاحياتها.

فالمادة ٦٥ من الدستور تنص على أن مجلس الوزراء يضع السياسة العامة للدولة، وبالتالي ومن ضمن السياسة العامة كان يُحشر في البيانات الوزارية بند “المقاومة”.

وقد نصّت المادة ٦٤ من الدستور على طبيعة البيان الوزاري، حيث جاء فيها:

"على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة… يطرح رئيس مجلس الوزراء سياسة الحكومة العامة أمام مجلس النواب"...

وبالتالي، طبيعة البيان الوزاري سياسية، لا دستورية ولا قانونية.

ثانيًا:

لأن البيانات الوزارية، لجهة ذكر المقاومة، كانت مخالفة ليس فقط للدستور (كون المادة ٤٩ من الدستور تحدد القوات المسلحة التي تخضع للمجلس الأعلى للدفاع، وليس منها، بحسب نصوص قانون الدفاع الوطني، سلاح حزب الله) بل أيضًا مخالفة للقرارات الدولية، ولا سيما القرار ١٧٠١، الذي أعلن الحزب التزامه به، وأعادت الدولة اللبنانية في اتفاق تشرين الثاني ٢٠٢٤ التأكيد عليه، وصولًا إلى ورقة أهداف المبادرة الأميركية التي أقرّتها الحكومة اللبنانية في جلستها الأخيرة.

فبموجب القرار ١٧٠١، وتحديدًا الفقرة رقم ٨، ورد:

"تطبيق كامل لبنود اتفاق الطائف والقرارين ١٥٥٩ و١٦٨٠ اللذين يطالبان بنزع أسلحة كل المجموعات المسلحة في لبنان، لتصبح الدولة اللبنانية وحدها، وطبقًا لقرار الحكومة في تموز ٢٠٠٦، تملك الأسلحة وتمارس سلطتها في لبنان"...

ما يعني، بالعودة إلى هذا النص، أن أيّ تشريع أو غطاء سياسي لسلاح الحزب هو غير قانوني وغير شرعي.

وبالتالي، ومنذ تاريخ صدور القرار الدولي ١٥٥٩، ومن ثم القرار ١٦٨٠، وصولًا إلى القرار ١٧٠١، ينبغي اعتبار كل البيانات الوزارية التي تضمّنت بند “المقاومة” باطلة بطلانًا كليًا ومطلقًا، لمخالفة الحكومات المتعاقبة نصوص الدستور أولًا، والقرارات الدولية ثانيًا، والتي تتناقض تمامًا مع مبدأ شرعنة عمل مسلّح غير شرعي على الأراضي اللبنانية.

لكل هذه الأسباب، ننصح الأبواق الفارغة بالتوقّف عن التعبير عن جهلها، وتحريفها للحقائق والوقائع والدستور والقانون وقرارات الشرعية الدولية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: