تكاد تتكرر وتتشابه اللازمات التي يطل بها قياديو الممانعة واعلاميوها وأبواقها على الشاشات والصفحات، دفاعاً عن قرارات المحور الموصوفة بالاحادية الخاطئة المتسرعة المتهورة، فمن رمي تهم تبني سرديات العدو الصهيوني والترويج لها وصولاً الى تهمة الخيانة والعمالة على معارضي اشعال حرب المساندة من اصحاب رأي وفكر واعلاميين وسياسيين.
فبالإضافة الى سرديات الممانعة واللازمات التي تتداعت وتساقطت الواحدة تلو الأخرى من قوة الردع الى الدفاع الى الحماية والبناء مروراً بأن اسرائيل “اوهن من بيت العنكبوت” وانها لا تستطيع ان تخوض حرباً لوقت طويل ولا تتحمل سقوط قتلى في صفوف جيشها وخسائر وتهجير مواطنيها، سقطت سردية لازمة تكاد تكون قاسماً مشتركاً مكرراً ببغائياً بين المفترين من هذا المحور وهي ان العدو الاسرائيلي لم يحتاج يوماً الى ذريعة ولا يحتاج اليها اليوم ليشن حروبه واعتداءاته على لبنان وعلى اعدائه، متهِمين من خلال تلك السردية اللازمة وعلى عادتهم في ما سبقها من يقول بعدم اعطاء العدو الذريعة بانه لا يعتبر الاسرائيلي عدواً او مجرماً او مقترفاً.
اول من أسقط هذه السردية هو رأس الممانعة في لبنان ووكيل محركها وملهمها الايراني امين عام الحزب الراحل حسن نصرالله اذ بقوله في 27 آب 2006: “لو كنت أعلم في 11 تموز انه هناك إحتمال 1% بأن يقوم العدو بهذه الحرب لما اقدمت على خطف الجنديين الإسرائيليين، ذلك لأسباب اخلاقية وانسانية واجتماعية وأمنية وعسكرية إذ إن حزب ألله لا يقبل بذلك ولا الأسرى ولا أهاليهم”.
دليل واقرار من امين عام الحزب نفسه بأن اسرائيل لم تكن تقدم على حرب تموز لولا ذريعة خطف الجنديين في 12 تموز 2006 وعلى هذا الأساس عبّر نصرالله عن ندمه من اعطائها الذريعة لتدمير لبنان والتسبب بما تسببت عملية الخطف -الذريعة.
في 3 كانون الثاني 2024 ايضاً قال السيد نصرالله في نفس اطار عدم اعطاء الذرائع لاسرائيل للحرب الشاملة مداراة له للوضع اللبناني والمصالح الوطنية اللبنانية بقوله: “إذا كُنا حتى الآن نُداري الوضع اللبناني والمصالح الوطنية اللبنانية…”.
ليقول في 25 آب 2024 شارحاً بعد رد الحزب على مقتل فؤاد شكر وفي اطار “عدم اعطاء العدو الذريعة”: “نريد ضرب هدف اسرائيلي ولكن لا نريد ضرب هدف مدني.. فمن أجل تأكيد حماية المدنيين في لبنان وتجنيبهم أي أذى قد يُلحقه العدو بهم فضّلنا أن نتجنّب المدني عند العدو. بالحسبة نستطيع أن نقول أنه تأمّن نسبة كبيرة جدًا جدًا من حماية المدنيين في لبنان، إذًا أولًا أن لا يكون الهدف مدنيًا وأن لا يكون الهدف أيضًا بنى تحتيّة”.
في نفس اطار سقوط هذه السردية وعلى يد ولسان الممانعة نفسها قال مقرب نافذ من “الحزب” لـ”الأنباء” أيضًا في 12 آب 2024، “إن الحزب يتفادى منح إسرائيل الذريعة لقصف مناطق مدنية”.
حتى “الأخبار” المغالية في الترويج لسرديات الحزب المتهالكة المتساقطة اسقطت هذه السردية اللازمة في عددها تاريخ 18 آب 2024 مبررة تأخر الحزب او حتى عدم رده على اغتيال فؤاد شكر وتحت عنوان “قوة المقاومة في منع الحرب”، اشارت الى أن “خيار الحرب، ابتداء، يتعارض مع ماهية المقاومة، وأن موازين القوى لا تُحسب فقط في مواجهة العدو الإسرائيلي، وإنما أيضًا في مواجهة حلف شمال الأطلسي (وعلى رأسه الولايات المتحدة) الذي سيهبّ لنجدة إسرائيل كما اتضح”.
كذلك تحدث المسؤول في الحزب النائب والوزير السابق محمد فنيش في 28 آب 2024 وفي نفس الاطار على “حرص “المقاومة” على عدم تمكين العدو او إعطائه ذريعة بأن يستهدف أمن مجتمع المقاومة أو مرافق الوطن أو المدنيين عمومًا…”
لم يكن سقوط سردية ان “اسرائيل لا تحتاج الى ذريعة” على لسان الحزب وممانعته كما رأينا الا صدى لما كررته القوى المعارضة للحزب وسلاحه والحرب وويلاتها من تنبيه وتحذير اذ ان رئيس حزب القوات اللبنانية وبعيد الطوفان واشعال جبهة الاسناد كان قد شدد في 11 تشرين الثاني 2023 على “وجوب أن نثني لبنان عن الانجرار إلى حرب إقليميّة لا تحمد عقباها، في ظل مرحلة صعبة جدًا تتطلّب دقّة فائقة في التعامل مع ما نشهده، بغية تجنيب لبنان مرّ هذا الكأس. المسألة لا تتعلق بان كانت للحزب مصلحة في جرّ لبنان إلى حرب إقليميّة أم لا، بل إن المعضلة تكمن في تدرّج الأحداث، ما يمكن أن يودي بنا إلى حرب إقليميّة”، ليستكمل الفكرة السابقة في 2 آذار 2024 بقوله: “أكيد إسرائيل تتحمل المسؤولية، بس حقك مش على عدوك، حقك على يلي عم يسهل لعدوك الحاق الأذى فيك. فنحن كلبنانيين وحكومة وسلطة ودولة يجب أن يكون هدفنا الحفاظ على الأراضي اللبنانية وأمن اللبنانيين، قبل التفكير بالآخرين ومساعدتهم وفق قدراتنا وليس العكس”.
ليلاقيه موقف وليد جنبلاط في 27 تشرين الاول 2023 الداعي الى “منع اعطاء اسرائيل الذريعة”.
كذلك اتى موقف الرئيس نبيه بري المفوض حالياً من الحزب الذي قال في 8 نيسان 2024 “التصعيد العسكري الإٍسرائيلي غير المسبوق ضد لبنان، يأتي في سياق استدراجنا للدخول في حرب مفتوحة لن ننجر إليها”.
قد يكون خير دليل موثق على سقوط سردية الحزب هذه ملتحقة بسابقاتها لتسقط معها شرعية وفائدة وضرورة وحق بقاء سلاح الحزب هو في ما جرى في مطار بيروت مؤخراً من تكليف للجيش اللبناني الشرعي بالاشراف على عمليات إقلاع وهبوط الطائرات وعمليات التفتيش داخل المطار وذلك “تجنباً لأي خرق” قد تتذرع به اسرائيل لتعطيل حركة الملاحة فيه كما فعلت في 16 تموز 2006.
وفي هذا الاطار قال رئيس حكومة تصريف الاعمال في 15 تشرين الأول 2024: “إن الإجراءات الأمنية في مطار بيروت الوحيد بالبلاد تم تشديدها لإزالة أي ذرائع لشن هجوم إسرائيلي، موضحاً، أن مطار يخضع لرقابة صارمة بحيث يتم إخضاع كل ما يدخل إلى المطار للفحص، من أسماء الركاب والأمتعة مع فحص الطائرات بعد الوصول وقبل الإقلاع”.
للأسف على الرغم ما تأكد من تهاوي حجج وروايات وذرائع الحزب الممسك بالسلاح، ما زال الحزب ومن ورائه ايران متمسكين بسردياتهما مستمرين بحروبهما على اساسها وفي ظلها، وفي ظل فكر متشبث بعقيدة وسردية مدمرة عبّر عنها امين عام الحزب الراحل نصرالله بقوله في 1 آب 2022: “حل عنّي يعني أنت أصلاً إنسان؟ أنا الله مكلفني أنت مين كلّفك، نحنا ناس الله مكلّفنا أنت مين مكلفك”.