لـ«واقعة» الهيئة العامة لمجلس النواب، أثناء اجتماع اللجان النيابية المشتركة أمس، «شهود» كثر وأكثر من رواية، لكنها كلها لا تطمس حقيقة أن ارتدادات «حرب الساعة» انفجرت صراخاً وشتائم قد لا تخمد نيرانها رغم محاولات طمسها.
كانَ يُمِكن للصراخ وتبادل الشتائم أن يبدو عادياً في لحظة انقسام على استحقاق كالانتخابات البلدية، لكن توقيته في ظل سعار طائفي، ومحاولات البعض صب الزيت على ناره، يكشف عن قناصي لحظات يطلقون رصاص الفتنة في كل الاتجاهات.المشادة بدأت بين النائبين ملحم خلف وغازي زعيتر. كانَ الاول يستحضِر نصوصاً دستورية حول ضرورة الدعوة إلى جلسات لانتخاب رئيس للجمهورية، ولم يكُن في كلامه ما هو جديد عما تعوّده زملاؤه منه. لكن، لسبب «غير مفهوم»، تدخل زعيتر ليعتبر أن «هذا الكلام مش بالنظام»، فحدث أخذ ورد بينهما، وطالب خلف بعدم مقاطعته ليرد زعيتر بكلام «غير لائق» ما أدى إلى توتر عززته النائبة بولا يعقوبيان بتوجهها إلى زعيتر بالقول: «ليك مين عم يحكي عن النظام، نائب مطلوب للعدالة».
هدأت الأجواء، واستكمل النواب البحث في إجراء الانتخابات البلدية، ودار النقاش الأساسي حول توفير التمويل من حقوق السحب الخاصة التي حولها صندوق النقد للبنان عام 2021. دعم هذا الطرح النواب ميشال معوض وميشال دويهي وسامي الجميل، واعتبر الأخير أن الأمر يُمكن أن يمر من دون قانون وبلا جلسة تشريعية بحكم الشغور الرئاسي. غير أن الاقتراح لقي معارضة واسعة من عدد من النواب. واعتبر النائب علي حسن خليل، أثناء مداخلة له، أنه «إذا كان رئيس حزب يرى أن توفير أموال الانتخابات يُمكن أن يتم من حقوق السحب الخاصة، فلسنا كنواب ملزمين بذلك». اعتبر الجميل الكلام موجهاً إليه، فطلب الكلام للرد على خليل لأنه «جاب سيرتي»، فأجاب الأخير بأنه يقصد سمير جعجع «الذي تحدث علناً عن الموضوع، ولا أقصدك، وهناك نواب للقوات فيهن يجاوبوني»، فردّ الجميل: «ليك مين عم يعطينا محاضرة بالقانون، وكلنا منعرف شو صار بالقضاء»، وتدخل نائب القوات غسان حاصباني مخاطباً خليل: «إنت مطلوب للعدالة ما فيك تحكي». وبسبب اختلاط الأصوات، اعتقد خليل بأن الجميل قال ما قاله حاصباني، فصرخ: «إنت مجرم إبن مجرم»، ليعلو الصراخ بينه وبين نواب الكتائب والقوات الذين توجه إليهم بالقول إن «رئيس حزبكن مطلوب للقضاء»، ما أدى إلى مغادرة نواب الكتائب والقوات القاعة. على الفور، بدأت محاولات تهدئة تولاها نائب رئيس المجلس الياس بو صعب الذي اجتمع بخليل والجميل كل على حدى بحضور النائب ميشال الضاهر. وأكد الجميل أنه لم يوجه اتهاماً لخليل طالباً الرجوع إلى التسجيلات، فيما عمل نواب آخرون على إقناعه بأنه لم يكن المقصود بإشارة خليل إلى «رئيس حزب سياسي».
وأكّدت مصادر نيابية لـ «الأخبار» أن الجميل اقتنع بعدم الحديث عن الأمر علناً لعدم تأجيج أجواء الفتنة، غير أن نواب القوات لعبوا دوراً في دفعه إلى «عدم السكوت» وعقد مؤتمر اكتفى فيه «بالكلام عن السجال من دون الدخول في تفاصيله». وقالت المصادر إن «ما حصل كان سوء تفاهم حاول البعض تأجيجه، وقد جرى تداركه في مجلس النواب، ثم بالاتصالات السياسية التي تولاها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اتصل بالجميل بعدَ الجلسة. كذلك اتصل خليل بالجميل لاحقاً لـ «شرح الموقف».
وفي قراءة هادئة لما وراء إشكال اللجان، لاحظت مصادر نيابية معارضة أنّ نواب 8 آذار بدا عليهم "التوتر" بشكل واضح منذ لحظة انطلاق جلسة اللجان المشتركة، معربةً عن قناعتها بأنّ الهدف من وراء هذا التوتر يكمن في صعوبة إخراج عملية "تطيير" الانتخابات البلدية كما تريد قوى الثامن من آذار، ولفتت إلى أنّ رفض هذه القوى تمويل هذه الانتخابات من أموال حقوق السحب الخاصة "SDR" ما هو إلا مؤشر جلي على عدم وجود نية حقيقية بإجرائها.وفي الإطار نفسه، نقلت أوساط ميدانية معطيات ومعلومات تفيد بأنّ الجوّ العام في القرى والبلدات المحسوبة على قوى 8 آذار، وتحديداً الثنائي الشيعي، تخيّم عليه مخاوف من مواجهة هذا الاستحقاق جراء التململ الشعبي والامتعاض الحاصل من أداء البلديات القائمة وتقصيرها في مواجهة معاناة الناس المعيشية والاقتصادية، فضلاً عن وجود خلافات داخلية بين أبناء الخطّ السياسي الواحد، حول أحقية الترشيحات في صفوف المحازبين والمناصرين وممثلي العائلات المنتمية إلى هذا الخط.
وأكدت مصادر نيابية ومجلسية لـ«البناء» أنه لم يحصل أي تضارب بين النواب في الجلسة، بل علا الصراخ والسجال بين خليل والجميل على خلفية بعض الملفات الخلافية بين الطرفين، وهذا طبيعي أن يحصل في ظل أجواء الاحتقان في البلاد والانقسام حول ملفات كثيرة. وشدّدت المصادر على أن أكثر من نائب خرج وأكد بأنه لم يحصل أي تضارب، مبدية استغرابها مسارعة بعض وسائل الإعلام بنقل أخبار مغلوطة تساهم في النفخ بالفتنة.
وأوضحت مصادر في «الكتائب» لـ«الشرق الأوسط» أنَّه خلال مناقشة موضوع تمويل الانتخابات البلدية، طرح النائب الجميّل خيارات عدة دون الحاجة إلى انعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب، التي يعتبر أنها غير دستورية بحكم الشغور الرئاسي.
وتشير المصادر إلى أنه عندها تدخل النائب علي حسن خليل، مشيراً إلى أن أحد رؤساء الأحزاب يطرح خياراً مخالفاً للدستور، ليتدخل عندها النائب الجميل، ويرد عليه بالقول: «أستغرب كيف أنَّ حضرة الزميل يعطينا أمثولة في كيفية احترام الدستور والقوانين والقضاء»، فانفعل النائب خليل وردّ عليه قائلاً: «أنت مجرم ابن مجرم، ومن عائلة مجرمة»، لتعود بعدها وتعم الفوضى ويعلو صراخ النواب والمواجهة فيما بينهم.