بدأ وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية، محمد بن عبد العزيز الخليفي، جولة استطلاعية في بيروت تمتدّ لأيام وتشمل العديد من الشخصيات والزعامات اللبنانية، وسط أجواء الترقب لنتائج لقاءات باريس التي عقدها الوزير السابق سليمان فرنجية، وما سيكون عليه الموقف السعودي في ضوئها.
وقالت مصادر مطلعة على لقاءاته لـ«الشرق الأوسط»، إن الاستحقاق الرئاسي كان محور اجتماعات الوزير القطري، لكن لا يمكن الحديث عن مبادرة رئاسية، لا سيما أنه لا يحمل طرحاً جاهزاً، بقدر ما هي زيارة استطلاعية لمواقف الأفرقاء قد تكون تمهيداً لخطوة ما في المرحلة المقبلة، معتبرة أن «الملف الرئاسي وضع على المسار الصحيح والأجواء أفضل من السابق، ما قد يساهم في التوصل إلى نتائج معينة».
فالانطباعات زادت ترسخا حيال عدم حصول أي تطور جدي او معطيات جديدة عقب زيارة رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية لباريس في نهاية الأسبوع الماضي بسبب الجولة التي بدأها امس وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي في بيروت والتي عكست ضمنا ان قطر ما كانت لتتحرك للحض على تسوية لو كانت معطيات جديدة طرأت على التحرك الفرنسي. ووسط معطيات اولية عن احتمال ان يكون الموفد القطري نقل اقتراحات جديدة وجال بها على المسؤولين تبين ممن التقاهم انه لم يخض ابدا في موضوع أسماء المرشحين وان مهمته تعكس التقاء ثابتا مع موقف الدول المعنية لجهة التشديد على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية يلتزم العملية الإصلاحية وان موقف قطر الداعم للبنان ينطلق من التزام انجاز الإصلاحات. وفي تصريح تلفزيوني مقتضب قال الخليفي ان زيارته للبنان تاتي في اطار تعزيز العلاقة الثنائية بين قطر ولبنان وتطويرها على كل الصعد ونحن حريصون على مد يد العون والمساعدة للاشقاء في لبنان واكد ان العمل ضمن المنظومة الدولية هو ركيزة أساسية ضمن استراتيجية قطر وسياستها الخارجية وان مشاركتها في اجتماع باريس كانت مهمة جدا واهم النتائج التي خرجت عن لقاء باريس هي حث المسؤولين على ملء الفراغ الرئاسي. وحض "الاشقاء في لبنان على تغليب لغة الحوار والمصلحة الوطنية ".
واذا كانَ من المُبكِر الإحاطة بأبعاد الزيارة، فإن الثابت الوحيد الذي يُمكِن استخلاصه من المباحثات، هو محاولة قطر تكريس دورها المحوريّ كعرّاب لتسويات رئاسية، تكراراً لتجربة العام 2008 التي أدّت إلى انتخاب قائد الجيش السابق ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
وأشاعت زيارة الوزير القطري انطباعات بإمكان حمله معطيات أو اقتراحات معيّنة للمساهمة في إنهاء الفراغ، في ظلّ إشاعات عن أن «الخليفي حاول تسويق اسم قائد الجيش جوزيف عون، بشكل غير مباشر»، وأن زيارته هذه «تأتي في إطار جسّ نبض القوى السياسية في حال ترشيح عون»، ربطاً بالحراك الذي قامت به الدوحة قبلَ شهور بدعوة عون إلى قطر، والنقاش معه في أمر ترشيحه، فضلاً عن محادثات بين مسؤولين قطريين ورئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل لمحاولة إقناعه بعون.
في المقابل، أكّدت مصادر سياسية لـ «الأخبار» أن «الخليفي لم يدخل في لعبة الأسماء، لكن كان واضحاً من خلال كلامه مع من التقاهم، أنه يجري جولة استطلاع، استعداداً لحجز دور قطري ما لم تتضّح صورته بعد، بخاصّة أن قطر تتصدّر قائمة الجهات الداعمة للبنان من خلال تقديم مساعدات في غالبية المجالات، لا سيما الطبية، إلى جانب المساعدات المالية والعسكرية المقدمة للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى». ونفت المصادر ما قيلَ عن «محاولة الموفد القطري استبعاد اسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من قائمة المرشحين، لكنه حتماً لا يملك مشروعاً رئاسياً مستقلاً عن المملكة العربية السعودية، وكل كلامه يبقى ضمن الكادر السعودي والكلام الديبلوماسي الذي قاله الممثل القطري في باريس خلال الاجتماع الخماسي، إلا أن القطري يملِك قدرة على التحرك بهامش أكبر باعتبار أن لديه مساحة حركة أوسع مع الأطراف المؤثرين خارجياً وداخلياً».
الدخول القطري على خط الاستحقاق الرئاسي، عبر موفد الدوحة الى بيروت ليس حاسما، ولكنه ليس تفصيلا صغيرا، لانه يندرج في اطار حراك ديبلوماسي «استطلاعي» عربي، يهدف الى الوصول الى مخرج للمأزق الحالي، عبر القنوات المفتوحة بين الدول الخمس، والتي اصبحت زائدا واحدا بعد الاتفاق السعودي- الايراني.
واذا كانت النتائج غير واضحة حتى الآن بسبب غموض «الصفقة» المفترضة، وعدم نضج «الطبخة» بعد، الا ان ثمة شيئا تحرّك، ويبنى عليه للمرحلة المقبلة، بحسب مصادر ديبلوماسية ، التي لفتت الى ان باريس لا تتحرك من «فراغ»، ولا تزال تلعب دور «رأس الحربة» في الملف اللبناني برضى اميركي واضح وتسليم سعودي بقيادتها، اقله لتفكيك «الالغام» في مرحلة غربلة الاسماء الرئاسية، وتأمين الضمانات اللازمة للبدء بمرحلة وضع التفاهمات على «الطاولة».
وأشارت مصادر «البناء» الى انّ زيارة الموفد القطري تأتي في سياق اهتمام قطر بالوضع في لبنان وباتخاذ الإجراءات والقرارات لتعزيز الاستقرار السياسي والأمني في لبنان من خلال إنجاز الاستحقاقات الدستورية لا سيما رئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة لإقرار الإصلاحات السياسية والمالية والاقتصادية لوضع خارطة النهوض الاقتصادي بدعم أصدقاء لبنان من الدول العربية والخليجية والجهات المانحة وصندوق النقد الدولي».ولفتت المصادر الى انّ الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في لبنان مصلحة عربية، وقطرية تحديداً، كون قطر شريكة في كونسورسيوم النفط والغاز في البلوكات الحدودية.وأوضحت المصادر انّ زيارة الموفد القطري ليست بعيدة عن الأجواء التي تتحدث عن تبدّل في السياسة السعودية تجاه لبنان، وتهدف زيارة الموفد القطري للاطلاع على الأوضاع الاقتصادية وجسّ نبض الأطراف السياسية إزاء إمكانية انتخاب رئيس للجمهورية وحثها على إنجاز هذا الاستحقاق، والمهمّ عند الدولة القطرية وفق المصادر اتخاذ القرارات اللازمة واستمرار برنامج المساعدات للحؤول دون وصول لبنان الى نقطة الانهيار الشامل والارتطام الكبير ريثما تنجز التسوية السياسية.