أقدم رئيس الجمهورية وفي آخر سكرات ولايته، على "دعسة ناقصة" تجاوز فيها خطوط "محور الممانعة" الحمراء، ما استدعى من حليفه الرئيس السوري بشار الأسد توديعه بـ"صفعة ودّية" على الجبين، جعلته يستفيق من نشوته ليتذكّر بأنّ "العين لا تعلو على الحاجب".إذ وبينما كان عون يستنفر الجهود والوفود باتجاه دمشق، معلناً انتداب نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب إلى العاصمة السورية غداً لمناقشة ملف الترسيم البحري بين البلدين، سارع الأسد إلى "ترسيم حدود" عون نفسه في التعاطي مع رعاة عهده الإقليميين، فأوعز إلى المسؤولين في السفارة السورية في بيروت لإبلاغ وزارة الخارجية اللبنانية بقرار الاعتذار عن عدم استقبال الوفد الرئاسي العوني "لارتباطات وانشغالات مسبقة"، علماً أنّ مصادر لبنانية نقلت عن مسؤولين سوريين اكتفاءهم لدى استيضاح مراجعيهم عن أسباب قرار إرجاء الزيارة بالقول إنّ هذا الموضوع "مو وقتُه الآن".وأوضحت المصادر أنّ مسألة الترسيم الحدودي مع سوريا "متشعبة ومعقدة ومتداخلة بين البر والبحر"، مشيرةً إلى أنّ هذه المسألة مرتبطة مباشرةً بوضعية "مزارع شبعا" التي لا يزال لبنان ينتظر من سوريا توثيق لبنانيّتها في الأمم المتحدة، ولفتت في هذا السياق إلى أنّ الجانب السوري لا يبدي حماسة للخوض في هذا الملف خصوصاً مع "عهد منتهي الصلاحية" كما أنّ "حزب الله" ليس في وارد الدفع باتجاه حلّ الإشكالية الحدودية بين لبنان وسوريا "لما لها من منافع تفوق مضارها بالنسبة للحزب"، مبديةً أسفها لكون تعذّر ترسيم الحدود البحرية مع سوريا "سيعيق عمليات تلزيم الشركات عمليات التنقيب والحفر في البلوكات الشمالية للبنان"، بحسب "نداء الوطن"بصرف النظر عن الاعتبارات التي حدت بالجانب السوري الى هذه الخطوة، والتبريرات «الذرائعية» التي سبقت في معرض الاعلان عن عدم الجاهزية، فإنها في نظر مصادر دبلوماسية تشكل مفاجأة وصدمة في وقت واحد، تعيد الى الأذهان مسألة تحديد هوية مزارع شبعا، وانتخاب التوقيت المناسب لهذه الخطوة، وتطرح مسألة «الخطأ اللبناني» في تقرير ما يتعين فعله، ومتى وكيف؟ بحسب "اللواء"الرواية الرسمية أو شبه الرسمية التي يتناقلها المعنيون بالملف تقول إن «نقصاً في التنسيق أدى إلى ما أدى إليه»، خصوصاً أن «نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب لم يتواصل مع مسؤولين سوريين لتحديد موعد»، وأن «يوم الأربعاء حدّده الجانب اللبناني بشكل منفرد، وليسَ استناداً إلى الاتصال الذي أجراه الرئيس ميشال عون بالرئيس السوري بشار الأسد الذي كانَ عاماً ولم يتطرق إلى التفاصيل اللوجستية».الخلفيات «الحقيقية» التي تقاطعت حولها مصادر سورية وأخرى لبنانية قريبة من دمشق تؤكد التالي:أولاً، لم يكُن هناك اتفاق على موعد أو على اجتماعات، حتى أن الوفد اللبناني (يضمّ نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب ووزيرَي الخارجية عبدالله بوحبيب والأشغال علي حمية والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم) لم يكن لديه أجندة أو جدول أعمال، بل كان ينتظر تحديد المواعيد بدقة، وليس صحيحاً أنه جرى تحديد يوم الأربعاء، فهذا الموعد كشف عنه الجانب اللبناني من دون اتفاق مسبق مع الجانب السوري وهو أمر غير مفهوم. إذ من المفترض أن يطلب لبنان الموعد وأن تقوم سورية بتحديد التاريخ.
ثانياً، أن «الاتصال الذي جرى بين عون والأسد كان إيجابياً لكن الاتفاق على استكمال البحث كانَ عاماً».ثالثاً، استغربت دمشق كيف أن القرار بالحوار معها لم تتم مشاركته مع بقية المسؤولين، خصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
إلى ذلك، كشفت المصادر أن السوريين سبق أن أبلغوا لبنان أن الأعمال جارية من الجانب السوري وأن العقود مع الشركات الروسية قائمة وأن البحث لا يُمكن أن يتم على طريقة «الإحراج». فضلاً عن أن دمشق تتطلع إلى موقف لبناني مختلف حيال العلاقات الرسمية الملتبسة مع سوريا حيث لا تزال الحكومات اللبنانية تقوم بخطوات لإرضاء الغرب وتستمر بمقاطعة سوريا وتختصر العلاقات بالتنسيق الأمني غير المعلن وبالعلاقات العامة، حتى أن لبنان يهمل تسمية سفير جديد في دمشق بينما تعد سوريا لإرسال ديبلوماسي سوري مخضرم إلى بيروت مقابل إشاعات عن أن لبنان يتحضر لاختيار ديبلوماسي من الفئة الثالثة!