قبل أن يصل رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى باريس، للقاء المستشار في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل، كانَ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قد عاد إلى بيروت بعدما التقى مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية برنار إيميه. وأكّد مطّلعون أن زيارة جنبلاط أتت «في سياق إقناع باريس بالتراجع عن مشروع المقايضة بين فرنجية في رئاسة الجمهورية ونواف سلام في رئاسة الحكومة، أو أي مقايضة تحمِل فرنجية إلى بعبدا». ونقل هؤلاء عن جنبلاط أنه كانَ حريصاً على «التشديد أمام الفرنسيين بأن انتخاب فرنجية أمر صعب، خصوصاً في غياب الموافقة السعودية»، وأنه حتى لو وافقت المملكة «سيبقى الأمر صعباً بسبب موقف الكتل المسيحية منه». وأضافوا أن الزعيم الاشتراكي «جنبلاط طلب بصراحة من الفرنسيين التخلي عن هذه المقايضة وعن محاولة إقناع السعوديين بالسير بها»، و«الانتقال بالبحث إلى مكان آخر للخروج من هذه المراوحة التي لن تصِل إلى أي مكان». وأوضح جنبلاط أنه «في مقابل إصرار ثنائي حزب الله وحركة أمل على دعم ترشيحه، فإن الكتل المسيحية وتحديداً التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لا تزال عند موقفها المتصلب بالرفض، وتتقاطع في ذلك مع الموقف السعودي، بالتالي يتعين على باريس أن تتراجع عن هذا الدعم وتبدأ بالبحث عن شكل جديد للتسوية، ما لم يحصل ما يدفع هذه القوى إلى تغيير مواقفها».
وأكدت المصادر أن «واحداً من الأسباب التي تدفع جنبلاط إلى ثني الفرنسيين عن دعم فرنجية هو المشكلة التي تواجهه داخل الحزب، وخصوصاً مع نجله النائب تيمور»، إذ إن «الخلاف بينهما على الملف الرئاسي كبير، وقد أبلغ جنبلاط الابن والده بأنه لن يصوّت لفرنجية بأي شكل من الأشكال، انسجاماً مع موقف القاعدة الشعبية»، وهذا التعارض هو «ما أجبر جنبلاط على التراجع عن الوعد الذي قطعه لرئيس مجلس النواب نبيه بري بالتفكير بالأمر».في المقابل، أكّدت مصادر ديبلوماسية لـ«الأخبار» أن الموقف الفرنسي لا يزال نفسه، وأن باريس تتصرف على قاعدة أن «هناك متسعاً من الوقت لاستكمال النقاش مع السعودية في الأسابيع المقبلة، وإقناع المملكة بالسير في التسوية». وفيما يدور حديث عن مساعٍ تقوم بها القاهرة للترويج لما طرحته في لقاء باريس لعقد لقاء للقوى اللبنانية على غرار مؤتمر الدوحة، تترقب بيروت ما سيحمله وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري محمد بن عبد العزيز الخليفي الذي يصل إلى لبنان الأسبوع المقبل بعد زيارة قام بها لطهران.
صار من المعلوم تماما ان باريس لم تنجح في اقناع المملكة العربية السعودية وعبرها ضمنا أيضا الولايات المتحدة، في اعتماد خيارها الرئاسي بدعم فرنجية ومعادلة تقديم فرنجية ضمانات لا تثق بها السعودية كحل يقوم على انتخاب الرئيس وتسمية رئيس الوزراء معا. ولذا لم يكن غريبا ان تسود انطباعات حيال ان "العلنية" التي واكبت زيارة فرنجية ولقائه احد المسؤولين الفرنسيين عن الملف اللبناني في الاليزيه تعمدت اظهار الدور الفرنسي اكثر من الدوافع الأخرى في ظروف يحتاج فيها الرئيس الفرنسي لدفع في السياسة الخارجية في وقت تضغط بقوة غير مسبوقة أزمات الداخل الفرنسي عليه، ولكن الجوانب الأكثر أهمية في الحركة الفرنسية تتصل بمسعى باريس الى البقاء ممسكة بخيوط مؤثرة في الازمة اللبنانية في وقت بدأ يعلو منسوب التأثير الذي سيتركه الاتفاق السعودي الإيراني على هذا الملف في مدة لن تكون بعيدة. ومن المستبعد تاليا ان تسفر زيارة فرنجية عن نتائج حاسمة لجهة بلورة الاتجاه النهائي لترشيحه، الا اذا ابلغته باريس صراحة ومباشرة انها ستتوقف عن دعم ترشيحه، وهو الامر الذي ينتظر المعنيون معرفته في الساعات المقبلة، علما ان المرجح ان تكون اكتفت بابلاغه بالموقف السعودي الذي ليس لمصلحته. ولكن مصدرا قريبا من فرنجية افاد مساء امس ان دعوته الى باريس كانت لعرض الوضع من مختلف جوانب الاستحقاق الرئاسي ومن ضمنه العوائق التي تعترض فرصة انتخابه.
وضمن هذا الاطار افيد ان الجانب الفرنسي كان يتفاوض مع السعودية لإيصال فرنجيّة إلى سدّة الرئاسة إلا أنّ الأخيرة لم تُعطِ الضوء الأخضر، واشارت مصادر اخرى الى ان باريس ستبلغ فرنجية بضرورة الانسحاب من السباق الى القصر لتسهيل عملية الانتخاب، لان وصول رئيس طرف الى بعبدا امر شبه مستحيل. وافيد ايضا ان "حزب الله" وضع في اجواء الزيارة في ظل تواصل غير مباشر معه في هذا الملف، وانه يؤيد الاخراج الفرنسي لتجنب الاحراج.
وكشفت مصادر التقدمي عبر "النهار" ان الهدف الأساسي من جولة جنبلاط، وتحديداً زيارته لفرنسا نقل وجهة نظر لبنانية تتحدّث عن صعوبة وصول فرنجية إلى سدّة الرئاسة، لأنه محسوب على طرف، وان الاصرار عليه سيُبقي البلاد في حالة من الانقسام والفراغ، خصوصاً في ظل رفض القوى المسيحية الأساسية له . ولفتت إلى أن جنبلاط تمنّى أمام الفرنسيين تحقيق توافقٍ حول شخصية أخرى وسطية، ذات طابع مالي – اقتصادي، إلّا أنّه لم يتبلّغ من الفرنسيين أي موقف حاسم في هذا السياق، علماً أن فرنسا لم تتخذ القرار النهائي. واشارت المصادر نفسها إلى أن فرنسا تعمل على الملف اللبناني بتكليف وتنسيق مع الأميركيين والسعوديين، وليس بعكس توجهاتهم .
ورداً على أجواء سياسية تحدّثت عن استدعاء فرنجية إلى باريس لإبلاغه وقف دعمه في السباق الرئاسي، بعدما نقل جنبلاط هذه الأجواء الرافضة له في لبنان إلى فرنسا، قالت مصادر التقدمي "لا معلومات دقيقة حول هذا الموضوع، قد يكون صحيحاً استنتاج فرنسا عدم قدرة وصول فرنجية إلى بعبدا نتيجة المعارضة الواسعة التي يواجهها، لكن لا نقول إن جنبلاط "شوّش" على فرنجية، وعلى المقلب الآخر، ثمّة معلومات تتحدّث عن استدعاء فرنجية للحصول على ضمانات رئاسية، وبالتالي ثمّة تضارب بانتظار نتائج الزيارة التي يقوم بها رئيس تيار "المردة".
قالت مصادر سياسية ان البحث الجدي ينطلق حاليا باتجاه، اختيار المرشح القادر على استقطاب تأييد معظم الاطراف السياسيين والدول المشاركة بلقاء باريس، والذي يستطيع بديناميكيته وافكاره من مخاطبة المجتمع الدولي، والمؤسسات والصناديق الدولية،للمباشرة بحلحلة الازمة المالية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها اللبنانيون حاليا،واخراج لبنان من دوامة الانهيار الحاصل، وشددت على أن الاسماء المرشحة اضحت محصورة جدا،باسم او اثنين على ابعد تقدير، بينما الامر بات يتطلب مزيدا من التشاور على كل المستويات، لتخريج اسم المرشح الذي يمكنه من الوصول إلى مركز رئيس جمهورية لبنان الجديد.