خلافاً للانطباعات التي سادت لدى بعض الجهات السياسية الداخلية حيال بدء مرحلة "مفصلية" متغيرة في مسار ازمة الاستحقاق الرئاسي، عقب التطور الأخير في موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة تبنيه علنا دعم ترشيح رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، بدا من المعطيات السائدة في الساعات الأخيرة ان الأيام المقبلة لا تبدو مرشحة لتطورات من النوع "الخارق" لرتابة الازمة الا في حال صدور موقف يتصف بصفة استثنائية عن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في كلمته المرتقبة اليوم. ولكن ذلك لا يحجب واقع تضخم ازمة الانقسام، بل ازمة انعدام الثقة التي باتت تطبع خريطة توزع القوى والمواقع والمواقف داخل مجلس النواب بما ينذر بمزيد من التعقيدات والعقبات التي يستبعد معها الاقتراب من حل او تسوية او مخرج للانسداد السياسي الذي يقيد انتخاب رئيس للجمهورية. وتلفت جهات معنية بالمشهد النيابي والسياسي الى ان حال الخصومة الناشئة بين رئيس المجلس وقوى المعارضة، ولا سيما منها الكتل النيابية الكبيرة ذات الأكثرية المسيحية، رسمت مزيدا من الظلال الثقيلة على أي إمكانات للانتقال بالازمة من مرحلة الانسداد التام الى بدء البحث عن مسالك تدفع بالازمة الى الحل. ولعل ما زاد الازمة تعقيدا ان المواقف التي اعلنها بري وما اثارتها من ردود وتداعيات، كشفت التداخل القوي والواضح في ربط هذه العاصفة بتصفية الحسابات المباشرة بين رئيس المجلس وقوى المعارضة والكتل المسيحية الكبيرة على خلفية تقييد هذه الكتل لجلسات التشريع والحؤول دون انعقادها وتاليا محاصرة دور رئيس المجلس شخصيا وسياسيا ودستوريا. وإذ جاء رد بري حادا في رفع السقف حيال المسألة الرئاسية، فان ذلك لا يعني وفق الجهات نفسها البناء على وجود معطيات لتبدل جذري في قواعد السباق الرئاسي كما ذهب اعتقاد الكثيرين، بل ان الأيام التي أعقبت اطلاق بري لموقفه المتبني لدعم ترشيح فرنجية، لم تكشف وجود تطور استثنائي يتجاوز اهداف بري في تسديد سهامه نحو "خصومه"الجدد من جهات نيابية وسياسية. ولذا، وما لم يعلن السيد نصرالله اليوم تبنيه العلني الواضح بلا أي التباس لموقف بري وتاليا لتبني ترشيح فرنجية، فان "قواعد الاشتباك" الرئاسي ستعود الى اطارها التقليدي الجامد حتى اشعار اخر مع إضافة تعقيد لا يستهان به لجهة تصلب الجبهة الناشئة بين المعارضة ورئيس المجلس.
وفي هذا السياق، يعمل "الثنائي" على إنضاج خطة رئاسية ترمي إلى "حرق" حظوظ قائد الجيش العماد جوزيف عون الداخلية والخارجية بحجة تعذر التعديل الدستوري لانتخابه، بالتوازي مع سعي "حزب الله" إلى إبرام صفقة مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل تقوم بشكل أساس على "رشوته" بسلة تعهدات والتزامات تتصل بالحقائب الوزارية والتعيينات المسيحية في العهد المقبل ليتولى في المقابل تأمين الغطاء المسيحي الميثاقي لانعقاد جلسة انتخاب فرنجية بأكثرية النصف +1 .إذ كشف مصدر واسع الاطلاع لـ"نداء الوطن" أنّ ما سبق وأعلنه نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم عن تأجيل البتّ بالخلاف بين "الحزب" و"التيار الوطني" إلى ما بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي، إنما جاء نتيجة "اتفاق ضمني بين الجانبين حول استمرار حاجة الطرفين لبعضهما البعض في المعركة الرئاسية، خصوصاً وأنهما يتقاطعان عند هدف قطع الطريق أمام وصول قائد الجيش إلى قصر بعبدا، وفي الوقت عينه لا يزال "حزب الله" يراهن على"تليين موقف باسيل حيال انتخاب فرنجية بناءً على لائحة إغراءات رئاسية وسياسية وحكومية يلتزم بها مرشح "الثنائي" بضمانة "الحزب"… وهذا ما بدا جلياً بين سطور مواقف بري الأخيرة لناحية تأكيد استمرار الرهان على تغيير باسيل رأيه تجاه انتخاب فرنجية".
في غضون ذلك، تواصل بكركي مساعيها لتكوين تصور عام قد يسمح للبطريرك بشارة الراعي بالتدخل أكثر، علماً أن المرحلة السابقة، ونتائج الجولات التي يقوم بها مبعوثه المطران طوني أبي نجم على الأطراف المسيحية، أعادت بكركي إلى الإحباط الذي شهدته عام 1988. وربما يراجع الراعي اليوم أوراق البطريرك الراحل نصر الله صفير التي نشرها الزميل جورج عرب، والتي تعكس مرارة بكركي من صراعات الموارنة الداخلية، قبل أن يضيف إليها مرارته من الدور الخارجي الذي يهمل مصالح لبنان، وصولاً الى نكسة الترشيحات التي أفضت الى إهمال كل الأسماء التي أودعها صفير لدى الأميركيين. تلك الحقبة تجعله متنبّهاً إلى أن لا يلدغ من الجحر ذاته مرتين أو أكثر!
ورأت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» ان ما سجل مؤخراً من مواقف في الملف الرئاسي يؤكد ان «اللعب اصبح على المكشوف» وقالت انه في الوقت الراهن المجال اكثر من مقفل، وهناك حاجة الى تبريد الاجواء قبل الدخول في اية محاولة جديدة.
ورأت هذه المصادر ان ما من طروحات جديدة في هذا الملف، ولن تتظهر قريباً لان الافرقاء قالوا ما لديهم ولا تبدل في المواقف السياسية، وتخوفت المصادر من ان يطول الشغور، بالتزامن مع انهيارات متتالية.
وكشفت ان اتصالات تجري، لكنها لا تصب في الاسراع بحسم الملف الرئاسي.
