إذا كانت دلالات اعلان المجلس الدستوري عدم توصله الى قرار في شأن الطعن الذي قدمه امامه "تكتل لبنان القوي" في التعديلات التي اقرها مجلس النواب على قانون الانتخاب لعام 2017 تقاس بردود الفعل الفورية، فلا شك ان ثورة الغضب المتفجرة التي عبر عنها رئيس التكتل النائب جبران باسيل وإطلاقه النار الهجائية والحادة في اتجاه الحلفاء قبل الخصوم، كانت وحدها كافية لإيجاز الموقف الناجم عن هذا التطور. ذلك ان "لاقرار" المجلس الدستوري، وان كان من الناحية الشكلية يحمل صفة سلبية لم يتأخر رئيس المجلس نفسه القاضي طنوس مشلب في وصفها بـ"السقطة"، فان هذه الحصيلة كشفت من الوجهة الأخرى عوامل إيجابية يصعب على مختلف القوى السياسية تجاهلها ومن ابرزها أولا ان لاقرار المجلس يثبت سقوط صفقة المقايضة "الشبح" التي تبرأ منها أطرافها وغسلوا أيديهم بعدما تمرد عليها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وانكشفت بعد ذلك أهدافها السلطوية الانقلابية. اذ لو لم تسقط الصفقة لربما كانت المداخلات السياسية اقتحمت المجلس الدستوري وعاثت فيه فسادا وأخذته الى وجهة تدمر هيبته وصدقيته تماماً. ثم ان لاقرار المجلس أظهره، سواء عن حق او خطأ، بمظهر المعاند امام اللعب باستقلاليته، فكان عدم التوصل الى قرار افضل من قرار منحاز اذا كانت المفاضلة محصورة بينهما ولا مجال لقرار قضائي كامل حاسم في كل بنود الطعن. ومع سقوط الطعن بفعل عدم التوصل الى قرار، فان المكسب الأكبر يبدو في صون حق المغتربين اللبنانيين في الاقتراع لمجموع المقاعد النيابية الـ128 .
فسقوط الطعن الدستوري بتعديلات قانون الانتخاب، شكّل "انتكاسة" رئاسية وسياسية وانتخابية للعهد وتياره، سرعان ما توعدا بردّها "صاعين" للثنائي الشيعي، وسط رشق من التصريحات والمعلومات والتسريبات العونية مساءً، تشي بأنّ قصر بعبدا بدأ تصويب إحداثيات «مدافع الرد» باتجاه "تفاهم مار مخايل".
فما أن أعلن رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب تعذر توصل المجلس إلى قرار في المراجعة المقدمة من تكتل "لبنان القوي" في تعديلات قانون الانتخاب واعتباره نافذاً و"ساري المفعول"… حتى أطلق رئيس التكتل جبران باسيل "شرارة" المعركة مع الثنائي الشيعي التي طالت نيرانها حارة حريك وعين التينة ولم تستثنِ السراي الحكومي على اعتبار أنّ الأمور "مش زابطة ومسرحية عين التينة ما مرقت علينا"، فتوترت الأجواء وتواترت المعلومات حول بلوغ "الغضب" العوني ذروته جراء "سقطة المجلس الدستوري" وفق توصيف مصادر بعبدا، قبل تحميل أوساط مقربة من دوائر الرئاسة الأولى "حزب الله" مسؤولية مباشرة عن هذه "السقطة" متوعدةً بأنه ستكون لها «تداعيات سلبية وعسيرة" على "تفاهم مار مخايل".
واوضحت مصادر مطلعة على حيثيات قرار المجلس الدستوري ل "اللواء" ان البند الخلافي الاساسي خلال مداولات المجلس كان البند المتعلق بنصاب جلسة التصويت في المجلس النيابي الاخيرة حول رد رئيس الجمهورية قانون الانتخاب بعد تعديله، حيث تعذر التوصل الى اتفاق نظراً لتعدد وجهات النظر من الوجهة الدستورية وتبعاً لإجتهادات كثيرة ومختلفة، ما دفع اعضاء المجلس الى عدم تجزئة القرار برفض الطعن بهذا البند او قبوله بذاك البند.
وقالت مصادر «التيار» لـ «الديار»: «اسقطوا آخر مؤسسة يمكن ان نلجأ اليها. لم يعد هناك ما يدفعنا للرضوخ والصمت وسيرون نهجا جديدا بالتعاطي ولا خطوط حمراء من الآن وصاعدا.. لا مراعاة لا لحليف ولا لصديق».
بدورها، قالت مصادر دستورية لـ «الديار» انه لو اتخذ المجلس الدستوري قرارا برد الطعن، كان ليكون ذلك مفهوما وكان على الجميع الرضوخ للقرار، لكن عدم اتخاذ قرار يعني بوضوح ان هناك تدخلات سياسية كبيرة بعمل المجلس، باقرار من رئيسه الذي تحدث عن «سقطة».
واستبعدت مصادر وزارية في حديث لـ «الديار» انعقاد الحكومة قبل فرصة الاعياد، معتبرة ان اي حل لم ينضج خاصة وان التأزم هو سيد الموقف حاليا نتيجة استياء «التيار» من «لا قرار المجلس الدستوري» الذي يعتبره مسيسا».
