تسرب أمس عن "مجموعة العمل المالي الدولية" امكان تصنيف لبنان في القائمة الرمادية، أي في قائمة الدول غير المتعاونة كفاية في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وبين الأسباب، التوسع الكبير في اقتصاد الكاش الذي بات يساوي نصف الناتج الاقتصادي تقريباً، مع ما يعني ذلك من عدم افصاحات ولا شفافية في مصادر الأموال ومآلاتها.
وبحسب مصادر مصرفية مطلعة، تلقّى المصرف المركزي إشعاراً من مصرف أوروبي كبير بقراره وقف التعامل مع ثلاثة مصارف لبنانية لعدم جني أي أرباح جراء هذه العلاقة، غير أن «هذه قد تكون مجرد ذريعة، وقد يكون الدافع وراء القرار الأحداث القضائية المتسارعة وملاحقة الإنتربول لسلامة».وأوضح المستشار المالي والنقدي غسان شماس لـ«الأخبار» أن مصارف أوروبية في هولندا وبلجيكا والسويد وبقية الدول الاسكندينافية اعتمدت، بشكل فردي، سياسة De-risking لإنهاء أو تقليص تعاملها مع المصارف التجارية اللبنانية. وتُعتمد سياسة الـ De- risking كإجراء احترازي في حالات عدة، من بينها التخوف من عدم تحقيق أرباح أو السمعة السيئة جراء التورط في عمليات تبييض أموال. لذلك، تفضل هذه المصارف تفادي «وجع الرأس». إلا أن الخشية تكمن في أن تتحول هذه القرارات الفردية إلى كرة ثلج تشمل كل المصارف كما يحدث عادة.
ووسيكون وضع لبنان على القائمة بمثابة ضربة كبيرة أخرى لدولة تعاني من تدهور مالي منذ عام 2019 وتكافح للتوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وقد أجرى قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة العمل المالي - وهي هيئة معنية بمراقبة الجرائم المالية- تقييما أوليا لاقتصاد لبنان. وبحسب مصدر ديبلوماسي اطلع على نسخة من التقرير الأولي، فإن النتيجة التراكمية لهذا التقييم تضع لبنان "فوق عتبة القائمة الرمادية بعلامة واحدة". ووفقا لمسودة اطلعت عليها رويترز، جرى تصنيف لبنان على أنه ملتزم بالمعايير جزئيا في فئات عدة، منها إجراءات مكافحة غسل الأموال والشفافية في ما يتعلق بالملكية الفعلية للشركات والمساعدة القانونية المتبادلة في ما يتعلق بتجميد الأصول ومصادرتها.
وقال المصدر الديبلوماسي "لبنان يسعى لمزيد من التساهل، ويحاول الحصول على نتيجة أفضل في إحدى الفئات حتى لا يقع ضمن منطقة القائمة الرمادية". وقال نائب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي والذي يترأس محادثات لبنان مع صندوق النقد الدولي لرويترز إنه لم يطلع على مسودة التقرير، ورفض التعليق على التأثير المحتمل له على هذه المحادثات.
وخلص صندوق النقد في وثيقة تعود لعام 2021 إلى أن إدراج دولة (ما) على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي قد تؤدي إلى تعطيل تدفقات رأس المال، مع احتمال انسحاب البنوك من التعاملات مع العملاء الموجودين في البلدان عالية المخاطر لتقليل تكاليف الامتثال. كما أن مثل هذا الإدراج يخاطر بإلحاق الضرر بسمعة البلد وتعديلات التصنيف الائتماني، وصعوبة الحصول على تمويل دولي، وارتفاع تكاليف المعاملات.
وأكدت مصادر معنية ان التصنيف الرمادي سيزيد تعقيدات تحويل الأموال إلى لبنان ومنه. وستتعرض تلك التحويلات الى كثير من الاسئلة والاستفسارات والتدقيق وقد يتأخر تنفيذها وتزيد كلفتها، ما قد يدفع بنوكاً مراسلة الى وقف التعامل مع المؤسسات المالية والمصرفية اللبنانية، وينطبق الأمر عينه على شركات تحويل الاموال أيضاً. وتحذر المصادر من انزلاق لبنان الى القائمة السوداء اذا لم يقم بفترة تراوح بين 6 أشهر وسنة بإجراءات مطلوبة منه. مع الإشارة الى توقع طول فترة بقاء القطاع المصرفي بلا سيولة كافية ولا ملاءة واضمحلال الثقة به في ظل بطء إعادة هيكلته، علماً أن الاصلاحات المطلوبة ستأخذ وقتاً ليس بقصير بالنظر الى تلكؤ الحكومة والبرلمان في تنفيذ شروط مسبقة وردت في الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي. وهذا التأخير اذا تفاقم فسيعرّض لبنان الى مخاطر إضافية مثل الإدراج في القائمة السوداء، ما يوجه ضربة شبه قاضية للتحويلات التي هي اليوم المصل الأساسي للبنانيين، ومن دونها يتسارع الإنهيار الى قاع لا يمكن تخيل عمقه.