في لحظة أشبه بفصل جديد في رواية حياة غيّبها الموت وأحياها الفن، وقفت الفنانة كارول سماحة على خشبة Beirut Hall، وأشعلت الحضور بطاقتها، بصوتها، وبهزيمتها الخلّاقة أمام الوجع.
لم يكن الحفل مجرّد عرض غنائي، بل فعل مقاومة. أول لقاء موسيقيّ لها في لبنان منذ رحيل زوجها، المنتج المصري وليد مصطفى، والد ابنتها الوحيدة تالا، التي كانت بين الحضور، تتأمّل والدتها وتتعلّم أن الصلابة لا تُدرَّس، بل تُعاش.
كارول التي رآها الجميع صلبة كقلعة تطلّ من قلب الفاجعة، دخلت المسرح بتردّد خافت. للحظات بدت وكأنّها تخشى ارتباكها. لكن ما إن انتهت من الفقرة الافتتاحية، حتى وقفت بكل ما تملكه من شجاعة، وقالت: "بصراحة، هذه حفلتي الأولى بعد كل المحطات الصعبة التي مررت بها هذا العام... رغم أني قدمت عروضاً مسرحية وموسيقية في الأشهر السابقة، لا أدري لماذا أشعر كأن هذه الحفلة هي الرسمية، كأنها الحفلة الأولى بعد ما عشته، فانتابتني رهبة اللحظة".
وتابعت: "الكثيرون سألوني من أين استمددت قوتي... بصراحة، أنا استمددتها من ابنتي ومنكم".
هكذا، بدت كارول وكأنّها تعلن تمرّدها على الحزن، لا بإنكاره، بل باعتناقه وإعادة تشكيله عبر الفنّ. كانت تلك لحظة اعتراف: الخسارة لا تُنسى، لكنها لا تقدر على خنق الحياة حين تكون الروح مشبّعة بالحبّ والإبداع.
اختارت سماحة برنامجها الفني بعناية. لم تستطع اختصار مسيرتها الناجحة في ساعة ونصف الساعة، فقرّرت المزج بين الماضي والمستقبل، بين الذاكرة والتجديد. غنّت: "نسخة مني"، "نَفَس"، "اسمعني"، "وحشاني بلادي"، "حبيب قلبي"، "فوضى"، "خلّيك بحالك"، "يا رب"، "إحساس"، واختارت أيضاً أداء أغنية "أرامام" للفنان التركي إبراهيم تاتلس... وجعلت من كل لحظة صوتاً ينبض بالحقيقة.
ثم جاءت اللحظة التي فجّرت المشهد: قالتها كارول علناً: "خلصنا من القعدات الرسمية... شيلوا هالكراسي!"
واندفع الجمهور نحوها. مزّقت المسافة بين الخشبة والناس، وأعلنت نهاية البروتوكول. كانت تلك دعوتها إلى أن يعود الفنّ إلى جوهره: صدق، قرب، حبّ بلا فواصل.
وقد عبّرت عن هذه اللحظة من خلال أغنية "فوضى"، التي لم تكن مجرّد أغنية، بل بياناً فنياً حيّاً، تختصر فيه كارول كل ما ترفضه وكل ما تتطلّع إليه: التحرّر من الوجع، من التصنّع، من عالمٍ "كله مفكّرلي حاله أقوى حدا بالبشرية".
في هذا الحفل، فردت كارول سماحة جناحيها بالفستان الذهبيّ اللامع، وارتفعت، لا على المسرح فقط، بل في قلوب الحاضرين. فتحوّلت أغنية "وحشاني بلادي" إلى: "وحشاني كارول سماحة".