رحيل مفاجئ لسامح عبد العزيز

WhatsApp Image 2025-07-10 at 18.54.48_da85d6cb

عند مشاهدة الأعمال الفنية خصوصاً الشعبية للمخرج المصري سامح عبدالعزيز، ستكون على يقين أن صانعها خرج من رحم بيئة شعبية عايش تفاصيلها، لكن المفارقة أن عبد العزيز قد عاش في الطرف الآخر بين جنبات الأحياء الراقية وكنف الطبقات العليا المتوسطة، لكنه صُنف كأحد أبرز من قدّموا الأحياء الشعبية المصرية على الشاشة بصدقية واقتدار، فقدم تفاصيل الحارة وشخوصها بلغة صادقة وبناء درامي نابض بالحياة، وكان أكثر المخرجين قدرة على التعبير عن الواقع الشعبي بكل تعقيداته وإنسانيته.

واكتسب هذه القدرة من حرصه على العيش والاقتراب من تلك المجتعات، ومصادقة أهلها واللعب معهم في الشارع منذ صغره؛ تشرّب الكثير من الذكريات التي اختزنها؛ فخرج هذا المخزون عبر أعماله، فضلًا عن إيمانه أن الطبقات الشعبية هي “العمود الفقري” لمصر وليس عالم الكومباوندات “المجمعات السكنية الفارهة”.

رحيل مبكر.. وسجل حافل في مدرسة الواقعية
صدم الوسط الفني المصري صباح اليوم الخميس، بنبأ وفاة عبد العزيز (49 عاماً)؛ نتيجة وعكة صحية مفاجئة. وهو عمر قصير نسبياً لكنه زاخر بالأعمال الفنية بين المسلسلات والأفلام. ولد عبد العزيز في القاهرة عام 1976، ونال درجة البكالوريوس من قسم المونتاج بالمعهد العالي للسينما في عام 1996، ليبدأ مسيرته الفنية من بوابة الإخراج التلفزيوني، قبل أن يتحول إلى السينما، حيث حقق حضوراً لافتاً عبر أفلام لاقت نجاحاً نقدياً، أبرزها “كباريه”، “الفرح”، و”صرخة نملة”، و”سوق الجمعة”، و”ليلة العيد”، والتي اتسمت بحس اجتماعي واضح، وجرأة في تناول قضايا الفئات الفقيرة والمهمشة، إذ نجح في تجسيد واقع تلك المجتمعات بلغة بصرية وإنسانية واعية، وغاص بين ثنايا الطبقات الدنيا بعمق، وقدم للجمهور الأبعاد الإنسانية لأشخاص نمر عليهم مرور الكرام، أو ننظر إليهم باستعلاء أو احتقار، لكنه يستدعي تعاطفنا تجاههم عبر سبر أغوار معاناتهم وهمومهم اليومية، بحد بلغ انتزاع عبرات الجمهور كلما عُرضت على الشاشة.

يمكن القول إن “عبدالعزيز” انتمى إلى مدرسة “الواقعية” في الفن، خصوصاً في الأعمال الشعبية وهي التي تميز فيها مقارنة بأعماله الأخرى، لأنه تعمد ألا يقدم هذه البيئة الشعبية بشكل نمطي، بل بكل تعقيداتها وقسوتها. فخلق تعاطفاً مع هذه الشخصيات، فهو لا يقهرهم ولا يطلق الأحكام المسبقة عليهم بل يطرح واقعهم المؤلم ثم يوضح مبرراتهم، إذ كان رحيماً بهم أكثر من المجتمع الذي ينظر إليهم باستعلاء، فتحوي أفلامه بين ثناياها نقداً اجتماعياً، لكنه يستند إلى فهم عميق للشخصية المصرية، وكان واضحاً أنه يفضل الأعمال التي تتطلب استكشافاً لعوالمها، غير مكتفٍ بما كتبه المؤلف، بل يميل إلى المعايشة قبل أن يحول تلك النصوص إلى مشاهد نابضة بالحياة.

الرؤية الإخراجية.. النص هو بطل العمل
تميز  سامح عبدالعزيز بقدرته على تقديم أعمال تعتمد على البنية الجماعية في الحكاية، حيث لا تهيمن شخصية واحدة على العمل، بل يُفسح المجال لعدد كبير من الشخصيات للتعبير عن أبعادهم النفسية والاجتماعية، لذا كانت السمة المميزة لأعماله هي البطولة الجماعية والأحداث التي تدور في مكان واحد، فهي طبخة فنية يجيدها، وشغف يستهويه.

إذ دارت كثير من  أحداث أعماله وبينها “الكباريه” و”الفرح”و “الليلة الكبيرة” و “رمضان كريم” و”ليلة العيد” في توقيت واحد تتزامن خلاله الأحداث التي تمضي على مدار يوم أو ليلة أو بضعة أيام أو شهر، رغم أن هذا الإطار الزمني المحدود يشكل تحدياً إخراجياً، لكن عبدالعزيز استطاع أن يدير هذا الكم الزاخر من الأحداث والشخصيات ببراعة. ورغم أن صيغة البطولة الجماعية لم تكن رائجة آنذاك، إذ اعتمدت الأفلام على البطولة المطلقة لنجم واحد، وكان من الصعب أن تأتي بنجم وإقناعه بوجود أبطال آخرين يقاسمونه البطولة. لكن عبد العزيز أجاد ذلك، وكان النص الدرامي هو بطل العمل، وليس الممثل، وهنا أيضا تتجلى حنكته الإخراجية في إدارة هذا العدد من الممثلين الذين يتقاسمون البطولة.

كبارية” و”الفرح”.. محطات محورية
أكد عبد العزيز مرونة موهبته التي تنوعت بين الأعمال الكوميدية والاجتماعية والتراجيدية، فمنذ بداياته في أعمال مثل “كباريه” ثم “الفرح”، من تأليف أحمد عبدالله، وضع عبدالعزيز بصمته الخاصة التي تمزج بين الواقعية والكوميديا السوداء والأسلوب الواقعي المحمل بالسخرية والرمزية، ويعتبر “سامح” أن هذين الفيلمين قد صنعا له المجد الفني وهما مثار اعتزازه. وكلا العملين وإن اختلفا في القصة لكنهما تشابها من حيث الأحداث التراجيدية والبطولة الجماعية، ورغم القيمة الفنية لهذه النوعية من الأفلام لكنها تمثل تحدياً لكونها لا تحقق الإيرادات السينمائية لكونها غير جاذبة لجمهور السينما وكان من الصعب إقناع المنتجين بها.
واللافت  أن العملين من إنتاج أحمد السبكي، وهما على خلاف إنتاجاته السابقة التي اتهمت بالإسفاف وإفساد الذوق العام، لكن أفلام عبد العزيز نقلت تاريخ السبكي السينمائي إلى مساحة أكثر عمقاً لا تستند إلى “الخلطة السبكية” ولا تبحث عن الأرباح بل القيمة والأثر. 

فيلم “كباريه” تدور أحداثه داخل ملهى ليلي، ويستعرض حياة عدد من الشخصيات المتنوعة والمهمشة، وكان بداية التعاون الناجح بين سامح عبدالعزيز والمؤلف أحمد عبد الله، ثم فيلم “الفرح” مع نفس المؤلف يتناول قصة أفراح شعبية، حيث تتقاطع مصائر الحاضرين بطريقة درامية.
ويتشابه مع هذين العملين، فيلم “ليلة العيد” من تأليف أحمد عبدالله، وبطولة يسرا ونخبة من النجوم، لكن الجديد الذي قدمه عبد العزيز أن البطولة جماعية نسائية ليناقش من خلاله قضايا طبقة مختلفة توارت في الأعمال الفنية وكانت على هامشها ولم تشكل متنها يوماً، وهي الطبقة الدنيا من النساء المقهورات بمختلف أعمارهن ومعاناتهن، إذ يعشن تحت وطأة الفقر وسلطوية الذكور سواء من الأخ أو الأب أو الزوج.

سامح عبد العزيز وأحمد عبدالله.. شراكة فنية 
قدم سامح عبد العزيز تعاونات ناجحة ومتكررة مع الممثلين والمؤلفين الكبار، وأبرزهم يسرا ومحمد هنيدي ومحمد سعد وغيرهم. لكن حملت أعمال عبد العزيز سواء السينمائية أو التلفزيونية التي كتبها المؤلف أحمد عبدالله بصمة مميزة، إذ شكلا سوياً ثنائياً مختلفاً عبر شراكة فنية أثمرت أعمالاً تلامس وجدان الشارع وتقدم الواقع دون تجميل في المجتمعات الشعبية المصرية،. وقال عبد العزيز  عن هذه الشراكة أن : “ثمة صداقة تجمعني مع عبدالله، فضلاً عن تناغم وكيمياء خاصة.
 كما قال “عبدالله” خلال حديث صحافي أجريته معه أن:”ثمة اطمئنان متبادل في العمل ونوع من الثقة أن سامح عبد العزيز لن  يهدر مجهودي في الكتابة، كما أننا نكمل قصور بعضنا”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: