يتقن طارق سويد اللغة الإنسانية ولا يبذل جهداً كي يظهّرها في كتاباته الدرامية لأنها منسوجة بالفطرة معه. ويعلم المشاهد عندما يكون أمام عمل يحمل توقيع هذا الفنان أنّه سيقترب من الإنسان أكثر لأنّ طارق سويد كاتب صاحب رسالة وهدف في حياته.

في مساحة صغيرة على خشبة “ديستريكت 7” في بيروت، توجّهنا مساء كي نصفّي الذهن من الشوائب اليومية التي تعكّر صفونا، وجلسنا في أجواء صالون ثقافي فني “كوزي” حيث بدأت الضحكة ترتسم لحظة بدء العرض.
في هذا العرض المسرحي، اجتمع 12 شاباً وشابة ليقدّموا مادة مسرحية بعيدة عن التقليدي، فكنّا جزءاً مما قدّموه. وسط الأضواء الخافتة والديكورات البسيطة، دخلنا معهم إلى كواليس صخب الحياة.
عنوان العرض ليس تقليدياً أيضاً، “مش مسرحية”. عمل ينضوي ضمن مشروع أطلقه الكاتب والممثل والمخرج اللبناني طارق سويد، من أجل المسرح ومن أجل الإنسان. انطلقت الفكرة من ورشة تدريبية نظّمتها الممثلة فيفيان أنطونيوس داخل أتيليه “Maison D’Art”، إذ دعت الى تدريب مجموعة من الهواة. وهناك، في تلك المساحة المليئة بأحلام هذه المجموعة الشبابية، شدّت طارق شرارة الموهبة. قرّر أن يمنح هذه المجموعة فرصة حقيقية، فكتب لهم وجلس معهم، وصنع من اللقاءات المتكررة خلال ستة أشهر عملاً ينبض بالحياة.

القصص العشر التي تشكّل العمل لم تكن مجرّد مشاهد، بل مرآة لكل ما نحاول دفنه في يومياتنا. أزال سويد المسافة بين الخشبة والجمهور، لا شيء مفتعلاً، لهذا السبب كنا نراه في كل مشهد، لا حواجز، لا أقنعة. قدّم قصصاً حقيقية وحميمة، لا تمس حياة أبطاله الشباب فحسب، بل تعكس حياة الإنسان اليومية وأحلامه التي لا تتحقق بسهولة. كنّا أمام مشاهد عن الضغوط النفسية والمهنية والاجتماعية والطائفية، خفوت الأضواء، خداع “السوشيال ميديا”، صوت المرأة الناضج، وكلمات تشبه ما نقوله لأنفسنا حين لا يسمعنا أحد.
أبطال هذا العرض هم: إيلي الحلو، رنا يمين، روني فارس، باميلا جرمانوس، رونالدو سعد، رايا الحوت، إلسي شلِّيطا، إسماعيل حسينات، جوي مانوكيان، ناتالي جرجس، أيمن التيماني، وماريتا حداد. أسماء قد لا تكون مألوفة بعد، لكنها وقفت على الخشبة كما لو أنها تنتمي إليها منذ سنوات وتستحق التصفيق. في هذا العمل، يتجلّى أن الفن ليس حكراً على الأسماء الكبيرة، بل هو قوة تُصنع من الصدق والإحساس العميق، وتنتقل من القلب إلى الجمهور، ليصبح الفن الحقيقي هدفاً سامٍياً.
“مش مسرحية” عرضٌ عن الناس وللناس، موجّه بكل حب الى قلوب لا تزال تصغي. يقول طارق سويد قبل بدء العرض: “التواصل البشري بهمني كتير، وأنا كنت متأكد إنو الصحافيين رح يجو مش بس كرمالي، بس لأنو بدكن تشجعوا حركة ثقافية عم تولد من جديد، لشباب بعدو عم يحلم. كل مشهد كتبته من قلبي، وكل دمعة ضحكتوا عليها كانت سبب إني كفّي”.
المسرحية مستمرة على خشبة “ديستريكت 7” حتى تاريخ 27 نيسان.