"المالية" تفرض ضريبة أرباح على الخسائر

Screenshot 2025-07-24 072856

كتبت رنى سعرتي في نداء الوطن:

على قاعدة "جيبو إيرادات" مهما كان الثمن وبأي طريقة، تتصرّف الحكومة ومديرية الواردات (الضرائب) في وزارة المالية تحديدًا، لتكبير الصحن الضريبي، ولو عن غير وجه حق، باعتبار أن الضرائب هي مصدر الإيرادات الوحيد، في غياب الإصلاحات والاستثمارات والتدفّقات المالية، ولو حتّى كانت هذه الضرائب غير مبرّرة وغير منطقية، وستنعكس سلبًا في نهاية المطاف على المودعين، وكأنّ هناك من يريد أن يطعن المودع مرّتين.

كلّما افتقرت المصارف للسيولة النقدية، ارتفعت احتمالات عدم قدرتها على تسديد أموال المودعين، وفقًا لأي خطة قد تتبلور بقوانين الفجوة المالية وإصلاح المصارف في المستقبل، وبالتالي فإنّ مطالبة مديرية الواردات في وزارة المالية المصارف بتسديد ضرائب تصل قيمتها الإجمالية إلى مليار دولار، على جزء من أصول المصارف "السيئة" التي تريد أن تعتبرها الوزارة، على عكس مصرف لبنان، أصولًا عادية، هي مسعى، في حال حدوثه، سيضعف سيولة المصارف ويخفّض قدرتها على تطبيق أي قرار قد يصدر بحق أموال المودعين لاحقًا.

سبق أن فرض مصرف لبنان في عدّة تعاميم له، على المصارف تكوين مؤونات تصل إلى نسبة 75 % من قيمة سندات اليوروبوند التي تحملها (والتي تراجعت قيمتها الإجمالية من 9,2 مليارات دولار إلى حوالى 2,3 مليار دولار) لتغطية أي خسائر محتملة قد تحدث نتيجة لعدم قدرة الدولة على سداد هذه السندات.

وقد أمّن جزء من المصارف المتمتّعة بالسيولة المطلوبة، المؤونات التي طالب بها مصرف لبنان في حين يسعى الجزء الآخر لتلبية هذه المتطلبات ضمن المهلة الممنوحة حتى أواخر 2026.

وبما أن أصول المصارف من اليوروبوند باتت أصولًا سيئة لأنها فقدت حوالى 83 % من قيمتها ومن المتوقع في أحسن الحالات، أن تسدّد الدولة 20 إلى 25 % فقط من قيمتها في حال تمّ التفاوض والتوصل إلى اتفاق مع حملة السندات، فإنّ الخسائر المتأتية عن تلك الأصول أصبحت أمرًا واقعًا وقد سجلتها المصارف في دفاترها واحتسبتها في ميزانياتها، وبالتالي سدّدت ضرائبها للدولة على هذا الأساس. إلّا أنّ مديرية الواردات في وزارة المالية قرّرت أن تُحصّل من المصارف ما يصل إلى مليار دولار عبر فرض ضريبة الـ 17 % على ما اعتبرته أرباح المصارف، من دون احتساب قيمة السندات على أنها خسائر، علمًا أن الدولة هي التي تخلّفت وأعلنت التوقف عن السداد ولم تتوصل منذ أكثر من 5 سنوات إلى اتفاق حول ديونها السيادية الأجنبية!

وفيما كان الهدف من تعميم مصرف لبنان، تكوين المؤونات، وحماية أموال المودعين والمحافظة على استقرار القطاع المصرفي، جاء قرار مصلحة الضريبة في وزارة المالية معاكسًا تمامًا له، كونه سيكبّد المصارف ضرائب غير محقة ستكون نتيجتها تراجعًا في سيولتها، وبالتالي تقصيرًا في حق المودعين.

في هذا الإطار، اعتبر مصدر مصرفي أنّ ما تقوم به مديرية الواردات في وزارة المالية غير منطقي بتاتًا كونها تطالب المصارف بأن تسدّد ضريبة أرباح بنسبة 17 % على المؤونات، رغم أنّ تلك الأموال هي مؤونات ولا تدرّ أرباحًا. مشيرًا إلى أن هيئة الرقابة على المصارف فرضت على المصارف تكوين مؤونات على سندات اليوروبوند لأنها فقدت 83 % من قيمتها، "وبالتالي فإنّ تسجيل قيمة تلك السندات بقيمتها net of ECL في ميزانيات المصارف أي 25 سنتًا، أو على قيمتها السوقية الحالية أي على سعر 19 سنتًا، وتكوين مؤونات لها بنسبة 75 %، فإنه في الحالتين هناك خسارة واقعة، ومن غير الجائز والمنطقي تسديد ضريبة على الخسائر".

وتوقّع المصدر المصرفي أن يتمّ التراجع حتمًا عن هذا القرار غير العقلاني وغير المنطقي، وتفهّم وجهة نظر المصارف.

من جهته، رأى المصرفي سمير طويلة أن مطالبة مديرية الواردات في وزارة المالية، المصارف بتسديد ضريبة أرباح على المؤونات التي كوّنتها على محافظها من اليوروبوند، أمرٌ مغالط ومنافٍ للمنطق، موضحًا لـ "نداء الوطن" أن المصارف خصصت مبلغًا من أرباحها لتغطية خسائرها الناتجة عن تراجع أسعار اليوروبوند، علمًا أن تلك الخسائر تسبّبت فيها الدولة لأنها توقفت عن الدفع، وبالتالي بعد أن كانت قيمة السند تبلغ 100 أصبحت اليوم تبلغ حوالى 19 سنتًا!

وأشار طويلة إلى "أن الدولة تريد على سبيل المثال، في حال كانت محفظة أحد البنوك مليون دولار من اليوروبوند، وأرباحه السنوية 15 مليون دولار، أن يسدّد ضريبة أرباح على ما قيمته 15 مليونًا وليس 14 مليونًا، علمًا أن المصرف كوّن مؤونات بقيمة مليون دولار من أرباحه لتغطية خسائره من اليوروبوند، ولم تعد أرباحه الفعلية على دفاتره تبلغ 15 بل 14 مليونًا".

ولفت إلى أنّ مديرية الواردات في وزارة المالية تريد احتساب اليوروبوند ضمن أرباح المصارف إذ تعتبر أنّ الدولة ستعيد تسديد قيمة اليوروبوند بعد إعادة توزيع الخسائر وبعد إعادة جدولتها على مدى سنوات قد تصل إلى 20 عامًا. "ولكن هذا المنطق أو الاعتبار يؤدي إلى تكبيد المصارف حاليًّا ضريبة على أرباح لم تحقّقها من اليوروبوند، وستجعلها تسدّد الضريبة نفسها مرّتين، مرّة حاليًا، ومرّة أخرى عندما تستعيد السندات قيمتها الأصلية وتعيد المصارف المؤونات التي كوّنتها لتضمّها مجدّدًا إلى أرباحها، وهو أمر غير منطقي".

وأوضح أنّ المصارف التي كوّنت مؤونات بقيمة خسائرها من اليوروبوند، ستعود عندما ترتفع أسعار تلك السندات إلى سحب تلك المؤونات واعتبارها أرباحًا، وستسدّد عندئذ ضريبة الأرباح التي تطالب بها وزراة المالية، "إلّا أن تسديدها اليوم في ظلّ الخسائر التي منيت بها، غير عقلاني".

وسأل طويلة: "كيف تعتبر مديرية الواردات المؤونات على الأصول السيئة مثل القروض المتعثرة أو غيرها من الخسائر المرتقبة مستقبلًا، غير خاضعة لضريبة الأرباح، بينما تعتبر المؤونات على خسائر اليوروبوند خاضعة لضريبة الأرباح؟".

قانون إصلاح المصارف

في موازاة ذلك، تبيّن أن مندرجات قانون إصلاح المصارف الذي تم إقراره في فرعية لجنة المال والموازنة، والذي يفترض أن يسلك طريقه نحو الإقرار من قبل المجلس النيابي قريبًا، وربما قبل نهاية الشهر الجاري، تتضمّن بندًا ينصّ على دراسة وضع المصارف المالي، مع الأخذ في الاعتبار المؤونات التي أخذتها إدارات المصارف مقابل محفظتها من اليوروبوند. بمعنى أوضح، مشروع قانون الحكومة يعترف بالخسائر التي منيت بها المصارف من جرّاء اليوروبوند، في حين أن مديرية الواردات في وزارة المالية لا تعترف بذلك، وتريد التعاطي مع الخسائر وكأنها أرباح.

وعن تسلُّح هذه المديرية باستشارة طلبتها من هيئة القضايا والتشريع، يجيب مصدر متابع، أن هذه الاستشارة تشبه المقولة الشعبية، "متل ما بدو الفاخوري بيركّب دينة الإبريق". بمعنى أن الطريقة التي قد تكون اعتمدتها المديرية في طرح السؤال على هيئة التشريع في وزارة العدل، هي التي أدّت إلى هذه النتيجة التي اعتمدتها المديرية لاحقًا، في محاولة لسحب أكثر من مليار دولار من المصارف، وتهديد أوضاع عدد من هذه المصارف، بحيث إنها قد تصبح عاجزة عن استكمال تنفيذ التعاميم التي تدفع بموجبها المصارف دفعات شهرية إلى المودعين، وفي مقدّمها التعميمان 158 و 166.

ويتساءل المصدر نفسه : إذا كانت مديرية الواردات في وزارة المالية تريد أن تحتسب هذه الأموال (المؤونات) بمثابة أرباح، لماذا لم تنتظر قليلًا لحين صدور قانون إصلاح المصارف، حيث ستصبح هذه الأموال بمثابة خسائر وفق مندرجات هذا القانون؟

يضيف المصدر: وإذا اعتبرنا أن قانون إصلاح المصارف لا يتضمّن هذا البند، فلماذا نتوقع أن تحتفظ المصارف باليوروبوند إذا كانت ستضطر إلى دفع 17 % من قيمة هذه السندات الاسمية كضرائب، من البديهي أن مصلحتها تقضي بأن تبيع هذه السندات، وتوفّر على نفسها دفع أكثر من مليار دولار.

يختم المصدر: إذا احتسبنا الخسائر الفعلية التي تحمّلتها المصارف من جرّاء اليوروبوند، وهي حوالى 83 % من قيمتها، وإذا أضفنا ضريبة الـ 17 %، فستكون المصارف قد خسرت 100 % من قيمة دينها للدولة بالعملات الأجنبية. فهل يبدو هذا الأمر منطقيًا بالنسبة إلى مديرية الواردات في وزارة المالية؟ وكيف سنصدّق أن الدولة تريد أن تساهم في حل مشكلة إعادة الودائع، من خلال دفع قسم من ديونها، إذا كانت لا تعترف بالخسائر التي تسبّبت فيها لحملة اليوروبوند، وتريد أن تقتنص منهم ضرائب على الخسائر التي تعرضوا لها من جرّاء إقراض الدولة؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: