تشبه ملازمة المحقق العدلي في جريمة إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار منزله منذ نحو ثمانية أشهر الإقامة الجبرية، في حين أنها " طوعية" إختارها هو عن سابق تصوّر وتصميم منعاً للتأويلات والشائعات، فهو لم يقصد مكتبه في الطابق الرابع من قصر العدل في بيروت منذ كانون الأول الماضي، تاريخ آخر دعوى كفّ يد قُدّمت في حقه، ليرتفع معها عدد الدعاوى المقامة ضده الى ٤٠، وهو رقم قياسي يستحق التسجيل في كتاب غيتيس ضمن خانة " أكبر عدد دعاوى في وجه قاضٍ في لبنان والعالم"، إن وجدت مثل هذه الخانة في الموسوعة.وعلى رغم مما تقدّم، لا تنفك الشائعات تلاحق " الريس" الذي كُفّت يده عن ملف المرفأ، ما أدخل التحقيقات برمتها في حال "freezing"، أي التجميد المتعمّد من أجل العرقلة ووقف سير العدالة.ومن الشائعات التي سرت، الحديث عن تعيين محقق عدلي ثانٍ للنظر في ملف الموقوفين على ذمة التحقيق، وهو ما يُعتبر " هرتقطة قانونية" موصوفة لأن الأمر يحتاج الى تعديل قانون القضاء العدلي، وهو تعديل إن حصل، يجب تطبيقه على كل التحقيقات العدلية الأخرى القائمة والتي قد تطرأ لاحقاً، وليس فقط على جريمة المرفأ، لأن النص القانوني يُعتبر قاعدة شاملة لا تنطبق فقط على حالة واحدة.مَن يعرف القاضي البيطار جيداً، يدرك الى حد الجزم بأن هذا القاضي " النبيل" لم يندم على تلقّفه كرة النارة اللاهبة، لأنه مرتاح الضمير لما قام به منذ توليه منصبه خلفاً لزميله القاضي فادي صوان في شباط ٢٠٢١، ومَن يراجع مسار التحقيق أن يدرك أن متابعته الفعلية للملف كانت متقطّعة ولم تتخطَ الأشهر الأربعة، حاول خلالها، وبين دعوى كفّ يد وأخرى، وإضرابات واعتكافات للمحامين والعدليات، أرشفة وتجميع ما أمكن من معطيات لتكوين تصوّر نهائي تمهيداً لإصدار قراره الإتهامي، واضعاً نُصب عينيه هدفاً سامياً واحداً لا غير إحقاق حق عاصمة دُمّرت، وضحايا أبرياء بالمئات هُدرت دماؤهم، وجرحى وإعاقات وتشوهات.المتتّبعون لاحظوا أيضاً ومن دون أدنى شك هجوماً إعلامياً إستنسابياً طال المحقق العدلي مثل اتهامه " بالإستقواء على الضعيف"، " وتحييد الجيش وقضاة زملاء له عن مسار التحقيق، إضافة الى " ردّية" المحسوبيات والزواريب والدكاكين، كما أن بعض الشخصيات التي تستضيفها وسائل الإعلام كانت ولا تزال تواظب على الترويج لرواية أخرى مفادها أن البيطار يعترف بأن الموقوفين في الملف مظلومين، ورغم ذلك يستمر بتوقيفهم، وهي رواية لا أساس لها وعارية من الصحة جملة وتفصيلاً، فالمحقق العدلي يعرف تماماً أن هذا الكلام يعدّ رأياً مسبقاً في قضية لا تزال قيد التحقيق.من هنا، وبناءً على كل ما تقدّم، نقول للمعرقلين على مختلف إنتماءاتهم ومشاربهم ومصالحهم، كّفوا بلاءكم عن طارق البيطار لأن انكسار هذا القاضي يعني حكماً انكسار العدل والقضاء في لبنان.
