قد يتفهم اللبناني أن تختلف كلفة المعاملة الرسمية التي يجريها عشرات لا بل مئات المواطنين يومياً بين دائرة كتابة عدل وأخرى في المنطقة نفسها، لكن حين يصبح الفارق بين هذه الدوائر بمئات الآلاف الليرات، فهو أمر يحتاج الى تسليط الضوء ورفع الصوت للفت النظر الى ما يجري في كواليس دوائر الكتّاب العدل.اذا أنطلقنا من مبدأ أن رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص لا زالت هي هي منذ ما قبل الأزمة المستفحلة، وأنه يُفترض عدم تسديد ضريبة أو رسم من دون صدور قانون مختص، فأين هو قانون تعديل رسوم كتّاب العدل؟ وهل أن منطق "الشاطر بشطارته" بات يتنقّل من مهنة الى مهنة الى أن وصل الى كتابة العدل؟يقول هشام : ذهبتُ لتنظيم وكالة خاصة فطلب مني الكاتب العدل مبلغ ٣٥٠ ألف ليرة لبنانية دفعتها على مضض، وعندما قصدتُ دائرة أخرى على بعد شارعين من الأولى وسألت عن كلفة المعاملة عينها كان الجواب ١٥٠ ألف ليرة لبنانية، ولدى الإستفسار من الكاتب العدل الثاني عن سبب تقاضي زميله مبلغ أكبر، تلعثم ولم يعرف بما يجيبني سوى القول " راجِع زميلي."يكمل هشام: في الواقع لم أتردد بالعودة الى الدائرة الأولى وحين طلبت مقابلة الكاتب العدل للاستيضاح تم طردي من المكتب على وقع "موّشحات" عن الحالة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية وكلفة المازوت والإيجارات والمستلزمات المكتبية، مضافاً اليها كل "الموبقات" المتعلقة ب " وينيي الدولة."حال هشام ليست وحيدة ولا استثنائية، وما يحصل في معاملات البيوع العقارية أدهى وأمرّ، خصوصاً في ما يتعلق بكيفية احتساب الرسم النسبي وسعر صرف الدولار الأميركي.مصدر قانوني متابع أشار في حديث ل LebTalks الى ضرورة لفت النظر حول مصير أموال العروض والإيداعات الفعلية التي رفعت عدداً من الكتّاب العدل الى مرتبة "المستفيدين الأوائل" من انهيار سعر العملة الوطنية، بعد تحويل دوائرهم الى "مكاتب صيرفة" من خلال تحويل كل ما يملكون من العملة اللبنانية الى الدولار الأميركي ليبقى صاحب المال المودِع المبلغ لمصلحته قادراً على الحصول على أساس قيمة الإيداع بالعملة اللبنانية. الإنفلات والتسيّب في هذا القطاع ليس مستجداً لكنه تفاقم خلال الأزمة الأخيرة، وفي حال طُبقت القوانين التي لا تُنفذ في العادى، فمن الممكن أن نكون أمام مشهد إغلاق عدد كبير من هذه الدوائر، فهل يتحقق هذا الأمر في بلد تنتفي فيه مبادىء المحاسبة والمراقبة والمساءلة، كما يغيب فيه المسؤول عن السمع والوعي؟
