بدءاً من اليوم، ينشر نادي قضاة لبنان تِباعاً مجموعة من الأسئلة والأجوبة حول ما يُثار من مسائل تهمّ الرأي العام، وذلك حرصاً منه على مصداقية السلطة القضائية وعلى الشفافية في ممارسة الشأن العام، وانفتاحاً من نادي القضاة على أي نقد بنّاء يشكل حافزاً للتحسين، ودحضاً منه للنقد الهدام الذي يشكل تضليلاً للرأي العام.
السؤال الأول حول قانون استقلالية القضاء التي يفصّلها حالياً الساسة بموجب القانون الساري على قياس معاييرهم، والجواب في النص و الفيديو المرفقَين:
هل صحيح أن القاضي ليس بحاجة إلى قانون استقلالية كون الاستقلالية هي في النفوس وليست في النصوص؟
نسمع كلّ يوم عبارة “الاستقلالية في النفوس وليست في النصوص”، وهي عبارة برّاقة من حيث الشكل، فيطلقها البعض عن حسن نية غير عالمٍ بواقع الحال، والآخر عن سوء نية متعمداً التملّص من إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية.
إن الاستقلالية في النفوس أمر محتوم، ومن لا يتمتع بها يجب أن لا يكون قاضياً، وإن كان يتمتع بهذه الصفة فلا بدّ من إعادة النظر به من خلال هيئة التفتيش القضائي والمراجع المعنية في القضاء. إلا أن تكريس هذه الاستقلالية في النفوس على أرض الواقع تحقيقاً للغاية الأسمى المتمثلة بإعلاء شأن العدالة، يحتاج حتماً إلى آلية تطبيقية ونعني بها قانون استقلالية السلطة القضائية.
إن القضاة المستقلّين، وهم أكثرية، يمارسون مهامهم القضائية بصورة صحيحة بعشرات آلاف الأحكام والقرارات التي تصدر سنوياً، إلا أن ما يعلق في الأذهان القضايا الهامة، أي قضايا الرأي العام، والتي غالباً ما يتولاها قضاة في مراكز محددة تكون أعين السلطة السياسية شاخصةً عليها عند كل استحقاق يتعلق بالتشكيلات القضائية. لذلك، تقتضي المعالجة اقتلاع تلك المشكلة من جذورها، وذلك عبر إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية بشكل تحصر فيه التشكيلات بيد مجلس القضاء الأعلى بعد أن يعطي القانون عينه القضاة حق انتخاب أعضاء مجلسهم المولجين بإعداد التشكيلات ضمن ضوابط محددة تمنع غير المستقلّ من تبوُّء مراكز أساسية معينة يفصّلها حاليا الساسة بموجب القانون الساري على قياس معاييرهم.
بذلك، يكون قانون الاستقلالية ضرورياً لحماية القاضي الشريف ولضمان تقدمه واستلامه مراكز ذات تأثير، فلا يفقد القاضي ثقة الشعب ولا يفقد الشعب عدالة القاضي، وتتكامل إذّاك الاستقلالية في النصوص مع استقلالية النفوس لضمان حسن سير العدالة، مع العلم أن الاستقلالية تُشكّل ضمانة للوطن والمواطن قبل القاضي.
ونختم برسالة إلى المجلس النيابي: إن الاستقلالية في النفوس واجب علينا ونحن لها، أما الاستقلالية في النصوص فواجبٌ عليك، كُن على قدر الأمانة وقُم بواجبك.