تتصدّر البندورة الأحاديث والنقاشات، بعدما قفز سعر الكيلو منها من نحو 25 ألف ليرة لبنانيّة إلى أكثر من 200 ألف ليرة خلال أيّامٍ قليلة. فتحوّلت من سلعة أساسيّة على المائدة اللبنانيّة إلى مؤشّر جديد على الفوضى في السوق الزراعيّ ونقص الإنتاج. فما سبب هذا الارتفاع الجنونيّ؟ وهل تكون أزمة البصل المحطّة التالية في مسلسل ارتفاع الأسعار؟
يؤكّد رئيس جمعيّة المزارعين أنطوان الحويك أنّ "الارتفاع الحالي لا يعني أنّ المزارعين يحقّقون أرباحًا، بل هو نتيجة نقصٍ في الإنتاج وسوء إدارة الملفّ الزراعيّ، وغياب الدعم الذي يضمن استمرار هذا القطاع الحيويّ".
ويشير الحويك، في حديثٍ خاص إلى موقع "LebTalks"، إلى أنّ "السبب الأوّل وراء ارتفاع الأسعار يعود إلى نهاية الموسم الزراعيّ، إذ بدأ الإنتاج في البقاع والجبال العالية يتراجع تدريجيًّا، بينما لم يبدأ بعد موسم الإنتاج في عكّار والساحل الجنوبيّ".
ويقول: "نحن الآن في فترة انتقاليّة بين موسمَين، تقلّ فيها الكميات المنتجة بشكل كبير، فيما يبقى الطلب مرتفعًا، ما يؤدّي تلقائيًّا إلى ارتفاع الأسعار".
ويلفت إلى أنّ "الخسائر الكبيرة التي تكبّدها المزارعون في بداية الموسم ساهمت في تراجع الإنتاج، إذ لم يتجاوز سعر الكيلو في الجملة آنذاك 7 آلاف ليرة لبنانيّة، وهو مبلغ لا يغطّي كلفة الزراعة ولا النقل. ومع استمرار الخسائر، فضّل كثير من المزارعين إزالة محاصيلهم وعدم استكمال الموسم، واستبدالها بزراعات أخرى أقلّ كلفة، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج أكثر وازدياد الضغط على السوق، فارتفع سعر كيلو البندورة بالجملة اليوم إلى نحو 200 ألف ليرة لبنانية".
أمّا السبب الثالث، فيرتبط، بحسب الحويك، بـ"شحّ المياه والجفاف، ما دفع بعض المزارعين إلى التوقّف عن ريّ محاصيلهم وتحويل المياه إلى زراعات أخرى ذات مردودٍ أفضل". ويشرح أنّ "هذه العوامل الثلاثة ترافقت مع غياب أيّ خطة واضحة للإنتاج والتسويق، أو صندوق لتعويض المزارعين عند الخسائر والكوارث".
يضيف: "الأزمة قديمة تعود لـ35 سنة، نتيجة غياب سياسة زراعيّة تنظّم الإنتاج المحليّ والاستيراد. فالمستورَد هو من يحدّد الأسعار، مشدّداً على أنّ "الاستيراد من الخارج يؤثر على الأسعار أيضاً، فخلال الفترات التي يقلّ فيها الإنتاج المحلي، تُستورد كميات من سوريا، ولاحقاً من الأردن، ما يؤدي إلى تقلّب الأسعار بشكل متكرّر".
أزمة بصل قريبة؟
يُتداول أنّ أزمة بصل جديدة في طريقها إلى لبنان، ضمن مسلسل ارتفاع الأسعار المتواصل. ووفق ما يوضح رئيس جمعيّات المزارعين أنطوان الحويك، فإنّ "هناك كميّات كبيرة من البصل مخزّنة في المستودعات، تُباع حاليًّا بأسعار منخفضة جدًّا تتراوح بين 25 و35 ألف ليرة لبنانيّة للكيلو بالجملة، لكنّ أي عملية تصدير أو خروج كميات كبيرة إلى الخارج قد تُفرغ السوق وتؤدّي إلى ارتفاع الأسعار".
يتابع الحويك: "لبنان يعتمد حاليًا على الاستيراد لتغطية حاجاته من البصل بموجب اتّفاقات موقّعة مع مصر ودول عربيّة أخرى، ما يسمح بدخول كمّيّات من الخارج. ويؤكّد أنّ "التاجر أو المزارع الذي يملك مخزونًا من البصل يسارع إلى بيعه قبل بدء الاستيراد، لكنّ اللعبة ليست بيدنا، لأنّ السوق خاضع للفوضى ولسياسات غير منظّمة".
تُظهر أزمة البندورة، وما قد يتبعها من أزمات مشابهة، عمق الخلل في إدارة القطاع الزراعيّ في لبنان، حيث يغيب التخطيط وتغيب الرقابة، فيتحمّل المواطن والمزارع معًا كلفة الفوضى. وبين غياب الدعم وارتفاع الأكلاف، يبقى الأمن الغذائيّ مهدّدًا، فيما تنتظر الأسواق تدخّلًا فعليًّا يعيد التوازن ويحمي الإنتاج المحليّ من الانهيار. فماذا ينتظرنا في الشتاء؟