إشكالية العدو الإيراني الرديف المنتهي الصلاحية في المنطقة العربية

الثوري-الايراني

ما يحصلُ في الشرق الأوسط اليوم من مخاضٍ قبل ولادة الصيغة الجديدة للمنطقة ليس وليد اليوم ولا وليد السنوات الأخيرة، بل يأتي تكملةً للمخطّط الذي وضِعَ للمنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي حين كان الصراع العربي- الإسرائيلي في أوجّه.

 بداية تبلور الخطوط العريضة لشرق أوسط جديد

الحقيقة يجب أن تُقال كما هي لأن أوان مصارحة الشعوب العربية في هذه اللحظة التاريخية من رسم الخرائط الجديدة قد آن، وقد تبلورت الخطوط العريضة والتفصيلية للمخطّط على مدار العقود الستة الماضية منذ اللحظة التي قرّر فيها الغرب زرع كيان "غريب عجيب" في المنطقة يُنسي العرب والمسلمين عدوهم التاريخي "إسرائيل"، وهذا الكيان هو النظام الثوري الإيراني المبني على التشيّع وتصدير الثورة الإسلامية الى مختلف شعوب ودول المنطقة، من هنا

دعونا نؤكد اليوم أن المخطّط من أجل "شرق أوسط" جديد شارفَ على النجاح، وقد وصلَ الى مرحلة من التعب العربي والإنهاك القومي من الصراع مع إسرائيل، ذاك الكيان الذي لم يعد بالإمكان إلا الاعتراف به والتطبيع معه بحكم الوقائع والحقائق الميدانية والسياسية والجيو سياسية.

إيران أغرقت العالمَين العربي والإسلامي في مستنقع العقائدية المتطرّفة

نقول أن المخطط شارفَ على النجاح لأن النظام الإيراني أدّى دوره بنجاح وجعل التركيز العربي يتحوّل من العداء لإسرائيل الى الانفتاح على السلام مع إسرائيل، خصوصاً بعدما ذاق العرب من الجمهورية الإسلامية في إيران ما لم يذوقوه من الكيان الإسرائيلي الذي كان لفترة "عدو العرب والمسلمين" لأنه اغتصب أرض وحقوق شعب وحق مشروع، فبقي الصراع جيو سياسي واستراتيجي لا عقائدي، بينما الجمهورية الإسلامية في إيران غزت العالمَين الإسلامي والعربي بحملة عقائدية توغّلت الى داخل المجتمعات العربية والإسلامية في المنطقة وكادت أن تقلب موازين القوى الدينية والعقائدية والسياسية لصالحها عندما انفجر ما سُمّي بالربيع العربي، من هنا نقول ونؤكد للرأي العام العربي والإسلامي في المنطقة أن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي انطلق من أروقة مراكز القرار الدولي وعلى رأسها واشنطن،  بلغَ أهدافه أو يكاد بعدما توفرت أو تكاد مكوّنات تحقيقه وأبرزها : التكامل العربي- الإسرائيلي الذي من دونه لا يستطيع بلوغ أهدافه.

ومن أجل تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد كان لا بدّ من المرور بما مرّت به المنطقة من عصر إيراني شيعي صَفَوي مبنّي على ولاية الفقيه وفكر تصدير الثورة، ما خلقَ عدواً أخطر بكثير من العدو الإسرائيلي بحيث بات الأخير أكثر سهولةً للتسوية معه من التسوية مع الإيراني الساعي الى استرداد أمجاد الإمبراطورية الفارسية في المنطقة لكن من بوابة الدين والعقيدة الدينية.

الفلسطيني أول مَن طبّعَ عربياً مع إسرائيل

 تغيّرَ مزاجُ العرب والمسلمين الذي لطالما كان معادياً لإسرائيل وتحوّل نحو معاداة إيران واعتبارها هي أولاً مصدر كل الشرور ومصدر الخطر المباشر ليس على أرض فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني بل على الدول العربية والأنظمة العربية والنسيج العربي الإسلامي في كل دولة عربية من دول المنطقة.

أُطلقت يدُ إيران ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد لتظهر كعدوٍ أساسي وأهم للعرب من إسرائيل فترتاح إسرائيل من الضغط العربي عليها، وقد تركت الجمهورية الإسلامية في إيران تتمدّد في العراق وسوريا واليمن ولبنان وصولاً الى فلسطين في قطاع غزة،

وأصبحت بذلك إيران مصدر الكراهية الأول لدى العرب والمسلمين ما أتاح مع الوقت فتح الطريق أمام إسرائيل للتقرّب من المجتمعات العربية، وقد كان الفلسطيني أول مَن طبّعَ عربياً مع إسرائيل ولو بدافع الاحتلال ومتطلّبات التمشّي مع وجوده، فباتَ الفلسطينوين بالآلاف يعملون لدى إسرائيل ويملكون جنسية إسرائيلية وفي أحسن الأحوال ترخيص بالمرور اليومي من مناطق الفلسطينيين الى الداخل الإسرائيلي للعمل وكسب لقمة العيش لآلاف العائلات الفلسطينية في القطاع أو الضفة.

طوال هذه الفترة من التمدّد الإيراني في المنطقة، بقيت إدارة المخطّط بيد الأميركي والتوافق الغربي- الإيراني قائم من أجل تحقيق أهداف الشرق الأوسط الجديد الى أن وصلت إيران حالياً الى مرحلة شعرت وتشعر فيها بأن دورها انتهى أو يكاد مع انفتاح العرب على التصالح والتطبيع مع إسرائيل على أساس المبادرة العربية للعام 2002 وإنشاء دولة فلسطينية أي "حل الدولتين".

إيران أمام تحدّي تحجيمها الإقليمي وإنهاء نفوذها في المنطقة

 بهذا الشعور، بدأت طهران تتمرّد على مشغّليها وقد بلغَ بها الطمع حدَّ اعتبار نفسها قادرةً على ابتزاز مشغّليها بدءاً من الأميركي بالإمساك بأوراق التمدّد في البلاد العربية وزرع القلاقل والفوضى وضرب استقرار المجتمعات العربية والإسلامية، فكان قرارها بإشعال المنطقة على مراحل كي تتمكن من قطف ثمار كل مرحلة، فقَوّت "شوكات" وسيطرة ميليشياتها داخل الدول العربية التي تحتلّّها عبر هؤلاء الوكلاء انطلاقاً من استراتيجية عدم التدخّل أو التصادم المباشر والابتعاد قدر الإمكان عن التورّط المباشر في صراع إقليمي، مستخدمةً أسلوب التّقية، ومُظهِرةً على الدوام بأن تلك الميليشيات تتمتّع بحرية عمل وتحرّك في الدول التي تحتلها من خلال هذه الميليشيات، فتتكرّر الجملة الشهيرة في ديبلوماسية الجمهورية الإسلامية عند كل مراجعةٍ أو طلبٍ خارجي بأن إيران لا تدير تلك الميليشيات والأفضل هو الحديث معها مباشرةً لا مع طهران في نفس الوقت الذي، وفي كواليس النظام الإيراني، تُملي فيه على وكلائها في الخفاء ما يعملون به في العلن وتتنصّل منهم طهران بمكيافيلية متمرّسة، فكانت نهاية المطاف في 7 تشرين الأول ... وكانت الخطيئة الكبرى بحق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية والمشروع الفلسطيني ... حيث ضربت حماس في "طوفان الأقصى" كل ما بنته القيادة الفلسطينية التاريخية في أوسلو ومدريد وواي ريفير وكامب ديفيد وسواها، وسهّلت التقارب العربي وتحديداً الخليجي- الإسرائيلي الذي أرادت ضربه لكن الى حين ...

واليوم وبعد أشهر على عملية "طوفان الأقصى" تجدُ القيادة الإيرانية نفسها أمام واقعٍ جيو سياسي ملخّصه أن أمامها خيارٌ واحد هو: مقاومة تحجيمها الإقليمي وعودة النظام الإيراني الى حجمه الطبيعي وإنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة  عبر إنهاء الوكلاء والميليشيات التابعة.

حماس إنتهت عسكرياً والتطبيع آتٍ

 ما نعيشه وسوف نعيشه بعد اليوم فصولٌ من المرحلة النهائية لمخطّط الشرق الأوسط الجديد الذي سينتهي بالتطبيع العربي- الإسرائيلي، وقد بانت ملامحه مجدّداً من بوابة واقع غزّة المدمَّرة حالياً، ومن القضاء على الآلة العسكرية لحماس للانتقال الى ضرب حزب الله في لبنان، وصولاً على ضرب وكلاء إيران في اليمن والعراق ... "حماس" انتهت عسكرياً ... وحرب القطاع انتهى عملياً بنسبة 90% والأنفاق دُمّرت ولا قيامة للقطاع إلا من خلال سلطة فلسطينية متجدّدة مدعومة من العرب والخليجيين الذين سيتولون إعادة إعمار القطاع بدعمٍ وتغطيةٍ دولية ما أن يوَقّع التطبيع، ومعه اعتراف تل أبيب بحل الدولتين.

حماس لن تعود الى حكم القطاع إذ لا قطاع يُحكَم في ظل وجودها إن حاولت العودة ... فيما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يستمر في حكومته الحالية بسبب ما ستشهده تسوية رفح من تداعيات ستؤدي الى انسحاب اليمين المتطرّف الصهيوني أمثال بن غفير وسموترش منها، وبالتالي الذهاب الى انتخابات إسرائيلية مبكرة ستفقد نتنياهو أكثرية مريحة له.

المطلوب المثابرة والصمود

الشرق الأوسط أمام نظامٍ جديدٍ وخرائط تولد من رحم غزّة وجنوب لبنان وسوريا، مع أفول نجم العدو الإيراني الرديف وتحقيق التكامل العربي- الإسرائيلي المطلوب للنظام الجديد، وحتى ذلك الحين المطلوب من الشعوب العربية وحكامها المثابرة والصمود والثبات لأن المخاض سيكون صعباً وصعباُ جدا ... وقد بدأنا نرى بعضاً من ملامحه في الدول المحتلّة من إيران وميليشياتها بدءاً من لبنان وسوريا.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: