إغتيال هنية بين الأسرار والغموض ووقوع إيران في شرّ أعمالها

Ismail Haniyeh

كتب جورج أبو صعب؛ مع تكاثر الأحداث في الساعات القليلة الماضية وتلاحقها بشكلٍ دراماتيكي، كان لا بدَّ من التراجع قليلاً لرؤية المشهد المتقلّب والمتغيّر بوضوح أكبر ومنطقٍ اكبر بعيداً عن الانفعالات والمشاعر.

هيبة إسرائيل والضوء الأخضر المشروط

من هنا، باستطاعتنا اليوم الإشارة الى 3 متغيّرات بعيداً عن ماهية تنفيذها:

-المتغيّر الأول والأساسي هو استعادة إسرائيل المبادرة الإقليمية والهيبة العسكرية والاستخباراتية والأمنية غداة عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من زيارته الى الولايات المتحدة الأميركية بجرعة دعمٍ ديمقراطي- جمهوري لا يصل الى حدّ “الضوء الأخضر المطلق”، إنما بقي ضمن دائرة الضوء الأخضر المشروط بعدم جرّ المنطقة الى حربٍ شاملةٍ وعدم توسيعها الى لبنان والالتزام بقواعد اشتباك جديد- قديم، وبالتالي فإن هيبة إسرائيل التي خسرتها في 7 تشرين الأول 2023 عادت واستعادتها بشكلٍ كبير وخطير اعتباراً من 30 تموز 2024 بقصف الضاحية الجنوبية واغتيال فؤاد شكر، بالتزامن مع الهجوم على سوريا وقتل مسؤول رفيع في الحرس الثوري الإيراني، وصولاً الى اغتيال إسماعيل هنية، فيما يبدو أن “بنك الأهداف” لا يزال يتّسع للمزيد من الإستهدافات .

المتغيّر الثاني هو أن إسرائيل قرّرت توسيع بنك أهدافها واللجوء المكثّف الى التصفيات الجسدية لقادة محور المقاومة وايران في المنطقة، ولا سيما قادة الأحزاب الوكيلة لإيران  كما حصل في حارة حريك جنوب العاصمة اللبنانية باغتيال الرجل الأول في العمليات العسكرية في حزب الله فؤاد شكر، ولو أدّى توسيع هذا البنك الى إسقاط قواعد الاشتباك الإقليمية وتخطّي الحدود الحمر، وهذا ما ثبُت مع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية وقبله اغتيال قادة ميدانيين كبار من حماس ومن حزب الله، سواء في لبنان وغزّة أو في العمق الإقليمي عند الجمهورية الإسلامية في ايران .

المتغيّر الثالث هو انكشاف إيران أمنياً واستخباراتياً، سواء أكان باغتيال هنية في طهران نتيجة خرق إستخباراتي- إسرائيلي لمنظومة الأمن والاستخبارات الإيرانية أو كان نتيجة تمكّن إسرائيل وصواريخها من التحليق في الأجواء الإيرانية من دون مواجهة دفاعات جوّية أو سلاح دفاع جوّي فاعل، لذلك فإن إيران ونظام الملالي والمؤسسات الإيرانية في حال من الذهول والصدمة، إذ أدرك الجميع أن المعركة ضد إسرائيل لن تكون نزهة حتى بالنسبة للداخل الإيراني، فطهران أثبتت أنها عاجزة عن حماية وكلائها إن لجأوا اليها.

ملاحظات وغموض وتعتيم إعلامي من الطرفين

انطلاقاً من المتغيّرات الثلاثة الواردة أعلاه، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

أولاً: الغموض الإسرائيلي حيال مسألة قتل إسماعيل هنية، فحتى الآن وبغضّ النظر عن منشورات من هنا أو تصريحات من هناك، يمكن القول إن إيران هي الوحيدة التي تنقلُ الأخبار عن اغتيال إسماعيل هنية، فيما كافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تسلّمُ بحصول الاغتيال بواسطة صواريخ إسرائيلية انطلقت من طائرات F35 من دون الدخول في الأجواء الإيرانية، وهي روايةٌ أفادت إيران بحيث أظهرتها بأنها لم تعجز عن التصدّي للهجوم لو خرق المهاجمون أجواء البلاد.

لكن إسرائيل وحتى الساعة ( وربما قد تتبدّل الأمور بعد برهة من الوقت، فالمتغيّرات تتسارع والتطورات تتشابك على مدار الساعة) لم تتفوّه بأية تفاصيل عن هجومها على غرفة نوم هنية.

والملاحظ في هذا السياق حتى الآن أن لا أحداً من الجانبَين الإيراني و الإسرائيلي أعطى تفسيراتٍ حول مكان العملية وكيفية حصولها بالتفصيل، ولا تمَّ إظهار المبنى المستهدَف ولا جثة إسماعيل هنية، فالجانب الإسرائيلي يعلمُ أنه في حال أعطى كل تلك التفاصيل فإنه سيعرّضُ إسرائيل للمساءلة الإيرانية، وربما لردِّ إيراني في مقابل ارتباك إيراني واضح لجهة قوة وخطورة الخرق الإسرائيلي لأمن إيران واستخباراتها، في ما لو كانت العملية قد تمّت من طرف إسرائيل وليس بصفقة إيرانية ما.

ثانياً: رغم التهديد الإيراني بالثأر لاغتيال إسماعيل هنية إلا أن المنطق يقول بإن إيران، التي لم تردّ على اغتيال الولايات المتحدة الأميركية لقاسم سليماني، ستردُّ وتثأر لاسماعيل هنية وقد فضحهم الرئيس السابق والمرشح الحالي الجمهوري دونالد ترامب مؤخراً.

من هنا، فإننا نستبعدُ نشوب حربٍ إقليمية أو مواجهة شاملة لأن لا الولايات المتحدة تريدها في هذه الفترة الحساسة والمصيرية نتيجة المعركة الانتخابية الرئاسية الجارية، ولا إيران تريدها ولا إسرائيل  رغم ما تدّعيه من جهوزية لخوضها إن فُرضت عليها، وبالتالي ما لم تنزلق المعارك والعمليات الى توسعة وشمول مناطق ودول إقليمية أخرى فإن المواجهة ستبقى محصورةً، ويبقى معها شبح الاغتيالات مخيِّماً على قادة محور المقاومة والممانعة.

ثالثاً: لا خطوط حمر مع بنيامين نتنياهو وحكومته بعد اليوم وقد قطع خلال اليومين الماضيين كافة خطوط التواصل مع مصر وقطر حول مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن، وفي هذا السياق نتوقّع عمليات إسرائيلية  نوعية إضافية في الأيام والأسابيع المقبلة ولا سيما الاغتيالات والتفجيرات الغامضة والغارات الجوية الضاربة على مواقع وأهداف في لبنان وسوريا والعراق وغزة … بينما إيران المربَكة والمحشورة تجاه وكلائها أولاً أعلنت عن لجنة تحقيق باغتيال إسماعيل هنية، فيما تصرّحُ بالتوازي وبتناقضٍ واضحٍ أن الاستهداف الإسرائيلي لهنية جاء من خارج الأراضي والأجواء الإيرانية، ونستمع لبيانات ” مائعة ” من الحرس الثوري بحيث يُطرَح السؤال الكبير : هل من المعقول أن لا تكون إيران على علم بأن حياة إسماعيل هنية وقادة حماس في غزة أو خارجها على المحك وهي مهدَّدة؟

وهنا لا بدّ من الإشارة الى أن قطر وتركيا الدولتين اللتين زارهما هنية قبل الذهاب الى طهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان لم يتعرّض فيهما هنية لأي خطر إسرائيلي، فكيف يُعقلَ أن يكون مكشوفاً أمنياً في إيران، أي في قلب وصلب مرجعية المقاومين والممانعين في المنطقة؟

رابعاً: من يعرفُ “التمصلح الإيراني” في تعاطيه مع وكلائه الإقليميين يعرفُ تماماً كمّ من السهل على الإيراني حرق أوراقه عندما تُستنفَد مفاعيلها ومصلحتها منها وبالتالي حرق ورقة إسماعيل هنية جاء نتيجة أمرين : الأول إنتهاء مهمته لدى الإيرانيين بعدما أخذوا منه ما يحتاجون وتحوّل هنية من عنصر مصطف الى الانقسام الفلسطيني الى عنصرٍ كان يعمل منذ “إعلان بكين” على جمع شمل الفلسطينيين، وهنا لا مصلحة إيران ولا إسرائيل تكمنان في تحقّق الوحدة الفلسطينية .

طبعاً اغتيال هنية وإزاحته سيترتّب عليه لأيام وأسابيع أقله توقّف المفاوضات حول غزّة والرهائن إن لم يكن انتهاءها ليشهد القطاع مرحلةً جديدة من التطورات الدراماتيكية أسوة بالمنطقة لأن إيران انكشف عجزها أمام العالم من جهة، ولأن اغتيال فؤاد شكر وهنية سيحملان وكلاء إيران على التصعيد في ظل تشدّد إسرائيل في هجماتها وعملياتها الميدانية .

خامساً: للتذكير أن إسماعيل  هنية كان في زيارة الى إيران لأيام  معدودة ولم يكن مقيماً منذ فترة فيها،  وهو كان قبلاً في قطر ولم يُستهدَف ثم ذهب الى تركيا ولم يُستهدَف في وقت من المعروف للقاصي والداني أن هذا الرجل كان مهدّداً بالقتل وعلى لائحة الإرهابيين، وبالتالي كان على السلطات الإيرانية واجب حمايته لاسيما وأنه كان في زيارة لأيام، وبالتالي لا عنوان ثابتاً له كانت لتساعد في كشف مكانه لولا وشاية وتجسس وخرق ناجح لمنظومة إيران الأمنية والاستخباراتية والعسكرية بدليل دقة الهدف والإصابة، ففي النهاية اغتيل في قلب طهران وفي ظرف  استنفار إيراني وإقليمي لوكلاء طهران كونها مع جماعاتها في حال حرب، ما يفترض اليقظة والانتباه والاحتراز .

بالخلاصة إيران تعلم أن معركتها مع إسرائيل ستضعفها وتخسّرها أوراقها، وهي لن تخوضها مفضّلة الصفقات على المواجهات لكن … لكل ظرف متغيراته … فهي اليوم تشعر أنها وقعت في شر أعمالها .

وللحديث صلة …

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: