بينما يحتفل الجميع بعودة النازحين اللبنانيين إلى أراضيهم ومنازلهم بعد انتهاء الحرب، يغيب عن الأذهان أو تتَناسَى فكرة الأعباء التي خلّفها هذا النزوح على الأقضية والمحافظات التي استضافتهم.
فقد شكلت تلك المناطق، منذ أيلول الماضي ملاذاً آمناً لعشرات الآلاف من العائلات الهاربة من أهوال الحرب، متحملةً تكاليف باهظة على المستويين المادي والاجتماعي.
اليوم، مع انقشاع غبار الحرب وبدء مرحلة جديدة، تظل تلك الأعباء من دون توثيق كامل أو تقدير مستحق.
وفي الشمال، وفي منطقة زغرتا تحديداً، كما في كل المناطق المضيفة، يبرز التساؤل: من سيتحمل مسؤولية تعويض تلك المناطق عن التضحيات التي قدمتها؟ وما هي التكاليف الحقيقية أو التقديرية لهذا الاستقبال الإنساني؟
رئيس بلدية زغرتا بولس معوّض أوضح في هذا الشأن أنه “لا يمكن تقدير الأعباء والتكاليف التي تحملتها زغرتا خلال فترة استضافتها للنازحين بطريقة دقيقة، لكن آثار هذا الضغط كانت واضحة. فقد ارتفع الطلب على الخدمات العامة بشكل كبير، مثل إدارة النفايات وتنظيم السير”.
وتابع في حديث لموقع “LebTalks”، أنه وتلبية لهذا الطلب الطارئ زدنا في البلدية عدد العناصر المكلفة بتنظيم السير وعززنا فريق الحرس البلدي”، مشيراً إلى أن “البلدية اضطرت للتعامل مع هذه التحديات في ظل إمكانيات محدودة”.
وأردف معوض: “فيما يتعلق بالمساعدات، كانت الجمعيات الخيرية هي الجهات الأساسية التي نظّمت حملات الدعم المباشر للنازحين، أما الدولة، فالدعم الذي وصلنا من جهتها كان محدوداً للغاية، وقد تم توزيعه لاحقاً على النازحين”.
أما بالنسبة للتحديات الاجتماعية، فقال: “حالات المشاكل مع المواطنين الزغرتاويين كانت شبه معدومة وهامشية جداً، مما يعكس الروح التضامنية التي أظهرها أهالي زغرتا تجاه إخوتهم النازحين”.
وشدد معوض على أن “الأشخاص الذين لجأوا إلى زغرتا خلال الأزمة كانوا ممتنين وشاكرين جداً. وقد برز هذا التقدير بشكل خاص في اليوم الذي أُعلن فيه وقف إطلاق النار، حيث بدأوا بالعودة إلى منازلهم معربين عن امتنانهم العميق لكل ما قدمناه”.
أضاف: “بين زغرتا وإهدن، استقبلنا حوالي 11 ألف شخص خلال الأزمة، واليوم، ووفقاً للتقارير الحالية، لم يبقَ أي شخص في مراكز الإيواء التي أقمناها آنذاك”.
وعن فكرة “من سيتحمل مسؤولية تعويض تلك المناطق عن التضحيات التي قدمتها” قال معوض: “أنا ضد مبدأ طلب المساعدة من باب الفقر أو العوز، لقد ساعدنا هؤلاء الناس الذين هم لبنانيون قبل كل شيء، وبكامل إرادتنا. ومن يريد المساعدة، فنحن لدينا احتياجات لا تعد ولا تحصى ولدينا مشاريع جاهزة للتنفيذ تحتاج فقط إلى التمويل، باب استقبال أي دعم خارجي “غير مشروط” سيظل دائماً مفتوحاً”.
من جهتها قالت المسؤولة في مكتب الشباب والطلاب بتيار المردة نور يمين إنهم “كطلاب في المردة تابعوا على الأرض الشؤون المتعلقة بالنازحين”، وكشفت عن أنهم “واجهوا صعوبات في تأمين الأدوية اللازمة للنازحين الذين لديهم أمراض مزمنة”.
وتابعت: “المستوصفات في زغرتا تبرعوا بقسم من الأدوية وقسم آخر كان مجهود شخصي من المواطنين”، مضيفة أن “هناك كثير من الناس تبرعوا لجمعية “دنيانا” وجمعية “الميدان” اللتين ساعدتا النازحين”.
أضافت: “تبرّع المغتربين للجمعيتين بأموال كثيرة للمساعدة واعتبرنا أن هذه الوقفة إلى جانب اخوتنا اللبنانيين واجباتنا”، لافتةً إلى أن عدد المتطوعين من “مكتب شباب وطلاب المردة” لمساعدة النازحين بلغ ١٧٠ شخصاً.
في الختام، عودة النازحين اللبنانيين إلى منازلهم بعد الحرب تحمل في طياتها فرحة كبيرة، لكنها تترك وراءها دروساً وتحديات وتساؤلات حول دور الدولة والمجتمع الدولي في دعم المناطق التي تحملت عبء الأزمات، كما سلّطت الضوء على الثغرات في منظومة الدعم الرسمية ومدى اعتماد المجتمعات المحلية على جهودها الذاتية والجمعيات الخيرية.
ووقف اطلاق النار لا يعني نهاية المسؤولية، بل بداية مرحلة جديدة تتطلب تعويض المناطق المستضيفة عن الخسائر التي تكبدتها، ودعم مشاريعها التنموية لضمان استمرارية قدرتها على مواجهة أي طارئ.