مع اقتراب نهاية عام استثنائي بثقله السياسي والأمني، واستعداد الشعوب لدخول سنة جديدة بلا أي معالم واضحة، تقف المنطقة برمّتها، ولبنان في قلبها، على فوهة بركان مفتوح على احتمالات خطرة. فلقاء ترامب – نتنياهو المرتقب في 29 من الشهر الحالي لا يُنظر إليه كمجرّد اجتماع سياسي عادي، بل كمحطة مفصلية يتوقع أن يحصل خلالها رئيس الحكومة الإسرائيلية على الضوء الأخضر الأميركي لتوسيع رقعة الضربات العسكرية، وتحديداً ضد حزب الله، في إطار إعادة رسم قواعد الاشتباك في لبنان والمنطقة.
هذا الاجتماع، بما يحمله من رسائل عسكرية وسياسية، يضع لبنان مرة جديدة في موقع المتلقي للقرارات الخارجية، بانتظار ما ستؤول إليه التفاهمات أو التصعيد، وكأن مصير البلد معلّق دائماً على طاولة تفاوض لا يجلس إليها. لبنان، الذي أقنع نفسه بأنه قدّم ما يكفي من التسهيلات والتنازلات، لا يزال عاجزاً عن إنتاج قرار داخلي مستقل، مكتفياً بسياسة الانتظار والترقب.
وفي خضمّ الحديث عن أن القرار اللبناني مرتهن للخارج، تبرز مسؤولية مباشرة على رئاستي الجمهورية والحكومة في حسم مسألة حياد لبنان، واستقلالية قراره، وحصره حصراً بيد الدولة ومؤسساتها الدستورية.
فحتى في ظل الضغوط الإقليمية والدولية، يبقى للبنان هامش قرار يمكن تفعيله إذا توافرت الإرادة السياسية، بما يتيح له الدفاع عن مصالحه وفرض مطالبه، لا الاكتفاء بدور المتلقي.
غير أن أي مقاربة من هذا النوع تبقى ناقصة من دون وعي شعبي حقيقي يدرك أين تكمن مصلحته الوطنية، ويضغط باتجاه قيام دولة قادرة، لا دولة تنتظر ما يُقرَّر عنها من خارج حدودها.
وفي موازاة المشهد الإقليمي المتفجر، يعيش الداخل اللبناني سباقاً مع نهاية السنة، وتحديداً على الخط المالي. إذ يعقد مجلس الوزراء غداً اجتماعاً مفصلياً لصياغة الصيغة النهائية من قانون الفجوة المالية، تمهيداً لإحالته إلى مجلس النواب. خطوة تحاول الحكومة من خلالها إنهاء عامها السياسي بتسجيل إنجاز شكلي، يتمثّل بإقرار القانون وإحالته، وكأنها بذلك تسقط عنها مسؤولية أحد أخطر الملفات الناتجة عن الانهيار المالي منذ العام 2019.
بهذه الإحالة، تكون الحكومة قد رمت الكرة بالكامل في ملعب المجلس النيابي، واضعة رئيس مجلس النواب أمام استحقاق لا يمكن القفز فوقه. فبحكم الرسالة التي وجّهها رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى مجلس النواب، يصبح رئيس المجلس مضطراً دستورياً لإدراج مشروع القانون على جدول أعمال أول جلسة تشريعية تُعقد بعد الأعياد، لتحمّل المجلس مسؤوليته كاملة في هذا الملف.
غير أن السؤال الأساسي لا يزال بلا جواب، هل سيمرّ قانون الفجوة المالية في البرلمان؟ وهل يملك النواب الجرأة السياسية لتحمّل كلفة التصويت عليه، في ظل ما يحمله من تداعيات مباشرة على المودعين والقطاع المصرفي؟ والأهم، ما هو موقف نواب الثنائي أمل – حزب الله، في ظل الانقسام الواضح الذي ظهر داخل الحكومة نفسها بين وزراء "الثنائي" خلال عملية التصويت، ما يعكس تباينات داخلية عميقة لم تُحسم بعد في مقاربة هذا الملف.
وفي موازاة هذه الملفات، تبرز الاستحقاقات الانتخابية كعنوان إضافي للتجاذب السياسي المقبل. فبحسب معلومات LebTalks، تستعد وزارة الداخلية والبلديات على كل المستويات الإدارية واللوجستية لتطبيق قانون الانتخاب النافذ، بالتوازي مع استعدادها للتعامل مع أي تعديلات قد تُقرّ على هذا القانون، ولا سيما تلك المتعلقة باقتراع المغتربين، سواء داخل لبنان أو في الخارج.
وتشير المعلومات إلى أن قانون الانتخاب، أو مشاريع التعديلات المحالة من مجلس الوزراء، ستكون بدورها مدرجة على جدول أعمال أول جلسة تشريعية لمجلس النواب بعد الأعياد، وهي جلسة يتوقّع أن تشهد مواجهة سياسية حادة، في ظل الرفض الكبير من قبل النواب السياديين، الحاملين منذ البداية راية حق المغترب اللبناني في الاقتراع لـ128 نائباً، وفي مقدمهم نواب "الجمهورية القوية"، المتمسكين بالقانون النافذ، والذين يعتبرون أن أي مساس بهذا الحق يشكّل تراجعاً واضحاً عن مبدأ الشراكة الوطنية والتمثيل الصحيح.
وفي حال جرى إدراج مشاريع القوانين المحالة من مجلس الوزراء، وحصلت هذه القوانين على موافقة الأكثرية النيابية، فإن البلاد ستكون أمام سيناريو واضح، الذهاب حتماً نحو تأجيل تقني للانتخابات النيابية، تحت عناوين تنظيمية ولوجستية، لكن بتداعيات سياسية ودستورية لا يمكن الاستهانة بها.