افتتاحية LebTalks: لبنان أمام "ثلاثية دقيقة".. والأنظار نحو بعبدا

beirut

يقف لبنان هذا الأسبوع أمام ثلاثية دقيقة: الأمن، السياسة، والاقتصاد، بحيث تسير الساحة الداخلية اعتباراً من بعد ظهر اليوم ومن قصر بعبدا تحديداً، على إيقاع استحقاق مالي يتمثل بإقرار الحكومة مشروع قانون "الفجوة المالية".

أمنيًا، عاد الجنوب إلى واجهة الاهتمام الرسمي والدولي، لكن هذه المرة من ضمن مقاربة تختلف عن كل المراحل السابقة. وتشير آخر المعطيات إلى أن مرحلة حصر السلاح بيد الجيش في منطقة جنوب الليطاني قد انتهت وباتت هذه المنطقة الخالية من سلاح "حزب الله" شبه مُغلقة على الحزب أو أي تنظيم مسلح آخر، وذلك ليس كعنوان جغرافي فحسب، بل كتجربة في إدارة الواقع الأمني على الأرض.

إقرار ضمني بتراجع ؤ

وهنا يبرز الإقرار الضمني من حزب الله بتراجع حضوره العسكري جنوب الليطاني، تحت عنوان عدم وجود سلاح في المنطقة، في خطوة تأتي كتعزيز لخطة انتشار الجيش واستكمال دوره. هذا الموقف لا يمكن فصله عن ميزان القوى المستجد، كما يعكس تفاهمات لم يُعلَن عنها صراحة، فرضتها المتابعة الدولية والضغط المتواصل من عواصم القرار والأطراف المؤثرة في مسار الاستقرار في لبنان والمنطقة.

مع ذلك، يبقى السلاح شمال الليطاني خارج أي تفاهم مماثل، ما يجعل الاستقرار في الجنوب هشًا ومحدودًا بسقف زمني وسياسي معين. ومن الأوساط السياسية والأمنية ترددت مؤشرات عن احتمال الانتقال لاحقًا إلى منطقة الأولي، إذا ما توافرت الظروف السياسية والإقليمية، ما يؤكد أن المقاربة الحالية ليست حلًا جذريًا، بل إدارة دقيقة لمراحل متتالية بهدف منع انفجار الأوضاع لا معالجة جذور النزاع.

هذا التوازن الأمني الهش ينعكس مباشرة على المشهد السياسي الداخلي، حيث تعمل الحكومة تحت ضغط الحفاظ على الاستقرار، وتتخذ القرارات ضمن هامش ضيق، غالبًا على حساب الإصلاح أو أي اشتباك سياسي كبير.

الأمن يقيّد السياسة.. ودور دستوري لحماية الحقوق

ولم يعد الانقسام السياسي لا يقتصر فقط على سلاح الحزب، بل يمتد إلى ملفات سيادية داخلية، أبرزها الانتخابات النيابية المقبلة وحق المغتربين في التصويت. والجدل هنا ليس فقط حول الآليات، بل حول الجوهر السياسي نفسه: هل يُصار إلى تكريس هذا الحق بشكل كامل، أم إبقائه موضع تجاذب؟

أمّا دور رئيس الجمهورية، فيتجلّى انطلاقًا من صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في المادة 53 من الدستور، والتي تخوّله توجيه رسائل إلى مجلس النواب كلما رأى ضرورة لذلك، من دون أن تكون هذه الرسائل ملزمة، لكنّها تشكّل أداة دستورية لوضع المجلس أمام مسؤولياته الوطنية.

وفي هذا الإطار، يندرج حق رئيس الجمهورية في الدفاع عن الحقوق الدستورية للمواطنين، ومن ضمنها حق اللبنانيين غير المقيمين في المشاركة في الحياة السياسية والانتخابية، ما يجيز له تنبيه مجلس النواب إلى أي تشريع أو مسار قد يُفسَّر على أنه ينتقص من هذا الحق، والدعوة إلى إعادة النظر فيه أو تصحيحه ضمن الأطر الدستورية.

ومقابل واقع الإنسداد السياسي، سيتحول هذا الملف إلى اختبار حقيقي لوظيفة الدولة: هل هي دولة إدارة أزمات، أم دولة قرار؟

الاقتصاد يقفل العام تحت ضغط دولي

إنما العنوان الرئيسي الذي يقفل عليه العام الحالي، يبقى بالملف الإقتصادي، عبر قانون الفجوة المالية، الذي دفع باتجاه إقراره ضغط مباشر من البنك الدولي، تحت عناوين إصلاحية مرتبطة بمحاربة الفساد ومنع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

وإذا كانت الدولة تعترف في مشروعها بفجوة تقارب 80 مليار دولار، فإن المقاربة المحاسبية المعتمدة تُحمّل الخسائر للمودعين، فيما تُرحّل مسؤوليات الدولة ومصرف لبنان والمصارف.

الأمر الأكثر حساسية هو أن هذه المقاربة الاقتصادية تتم في ظل واقع سياسي وأمني غير محسوم، ومن دون خطة تعافٍ شاملة أو رؤية واضحة لإعادة بناء الثقة.

ومن الواضح أنه في بلد استُهلكت فيه الثقة قبل الأموال، لا يكفي إنهاء مرحلة أمنية جنوب الليطاني، ولا يكفي إقرار قانون مالي بضغط خارجي، إذا بقي القرار السياسي عاجزًا عن الحسم والمحاسبة.

ولبنان بحاجة اليوم إلى قرار سياسي واضح، يربط بين الأمن والاقتصاد والتمثيل السياسي، ويحدد المسؤوليات بدقة، ويضع خارطة طريق للمراحل المقبلة، ويعيد بناء استقرار فعلي، لأن الاستقرار الموقت لم يعد كافيًا، والوقت ينفد أمام أي اختبار حقيقي للقدرة على إدارة الدولة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: