تتجه الأنظار يوم السبت المقبل إلى قضاء جزين، حيث يُختتم اليوم الانتخابي الأخير ضمن الجولة الرابعة من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظات الجنوب. ومع أن الجنوب لطالما شكّل عمقاً شعبياً لمحور الممانعة، إلا أن قضاء جزين يتميّز بخصوصية سياسية وديمغرافية تُكسب المعركة طابعاً مختلفاً.
فهذه المنطقة ذات الثقل المسيحي تشهد استحقاقاً بلدياً يتجاوز الطابع الإنمائي، ليعكس مواجهة بين رؤيتين مختلفتين لإدارة شأن المدينة، في ظل خروج المنطقة من أزمة وطنية كبرى وما خلّفته الحرب الأخيرة من تداعيات مدمّرة.
وبينما تحتدم المعركة في “عروس الشلال”، تتواجه لائحتان أساسيتان، الاولى لائحة “سوا لجزين” برئاسة دافيد طانوس الحلو، والمدعومة من “التيار الوطني الحر”، “حركة أمل”، “حزب الله”، والنائب السابق إبراهيم عازار، في مقابل لائحة “بلديتكن مستقبلكن” برئاسة بشارة جوزيف عون، المدعومة من “القوات اللبنانية”، “الكتائب اللبنانية”، وعدد من العائلات الجزينية.
وبين الطابع العائلي والطموح الإنمائي، لا تغيب السياسة عن المشهد، إذ تبرز هذه الانتخابات كمحطة مفصلية لاختبار توازنات القوى السياسية في القضاء، وقياس المزاج المسيحي في المنطقة، وهذا ما أكّده النائب سعيد الأسمر عضو تكتّل الجمهورية القوية في حديث لـLebtalks، والذي اعتبر أن المعركة في جزين تخطّت الطابع الإنمائي، محذّراً من وجود نوايا سياسية “مبيّتة” لتحويل الانتخابات إلى معركة سياسية بامتياز.
حول طبيعة المعركة الانتخابية في جزين، أوضح الأسمر أن الإنتخابات في “عروس الشلال” تتمتع بحضور عائلي وإنمائي بمعظم قرى وبلدات جزين، مع زخم سياسي في بعض المناطق، مؤكّداً أن اللائحة المدعومة من “القوات” ليست حصرية للحزب، بل تضمّ شخصيات من مختلف الانتماءات السياسية والعائلية، وجميعهم ملتزمون بخدمة جزين وإنمائها.
وأشار الأسمر إلى أن مدينة جزين كانت تشهد معركة إنمائية، ولكن مثل كل مدينة كبيرة، ينعكس فيها الطابع السياسي إلى حد ما، وقال: “حاولنا إبقاء المعركة ضمن إطارها الإنمائي، لكن تبيّن لاحقاً أن هناك نوايا سياسية مُعدّة سلفاً لتحويلها إلى معركة سياسية بامتياز”.
أضاف: “اللوائح الانتخابية المتنافسة في قضاء جزين تضم مناصرين ومؤيدين وحتى منتسبين للقوات اللبنانية، وأحياناً يتواجد هؤلاء على لوائح متقابلة تتنافس ضد بعضها البعض، باستثناء مدينة جزين التي تختلف بطبيعتها”.
ورأى الأسمر أن هناك محاولات لإيصال رسالة مفادها أن صوت جزين يتماهى مع الجنوب ومحور الممانعة، وهو الصوت الذي لطالما مثّل المدينة لعقود، سواء من خلال التيار الوطني الحرّ الذي تسلّم رئاسة البلدية سابقاً، أو عبر النائب السابق إبراهيم عازار.
وفي هذا السياق، علّق النائب القواتي لافتاً إلى أن رغم المعارك السياسية والشخصية التي خاضها “التيار” ضد إبراهيم عازار، بما فيها “الكيدية” بالتعاطي مع البلديات السابقة، إلا أن ما جمعهم اليوم يبدو أقوى من كل هذه الخلافات، مشيراً إلى أن لائحة “سوا لجزين” تعاني من عدم تجانس وانعدام التوافق الداخلي، مضيفاً: “ما يجمعها هو فقط العداء لنهج “القوات” و”الكتائب”، ومحاولة فرض واقع سياسي جديد في جزين يعكس صورة أن هذا الفريق هو الأقوى، وهو المعبّر الحقيقي عن خط الجنوب بكامله”.
وأما عن حظوظ الفوز، أعرب النائب الأسمر عن أمله في فوز اللائحة كاملة لتحقيق فريق عمل متجانس بعيداً عن “النكايات” السياسية.
كما شدّد على أن مرشّحي اللائحة لديهم رأي وخبرة، وهم حاضنون فعليون للمنطقة، وقال: “هم مقاومون بالمعنى الاقتصادي والحضوري، باقون في المدينة رغم كل الويلات والمشاكل، ويعرفون عن قرب حاجات الناس، ليس من خلال الشعارات، بل من خلال عيشهم اليومي لوجع الناس، وأفراحهم وأحزانهم”.
وفي سؤال عن كيفية التنسيق مع اللائحة المنافسة في حال خلّفت نتائج الإنتخابات خروقات في احدى اللوائح، أكّد الأسمر استعداد “القوات اللبنانية” للتعاون مع أي جهة تفوز، شريطة أن يكون الهدف خدمة جزين وأهلها، بعيداً من الحسابات السياسية الضيقة.
كما تحدّث النائب سعيد الأسمر عن البعد الأمني والسياسي الكامن خلف المعركة البلدية في جزين، مشيراً إلى أن المنطقة لا تزال تضم مراكز تُستعمل عسكرياً من قبل حزب الله، وهي تقع ضمن النطاق الجغرافي التابع لبلدية جزين وأهاليها، وتُستخدم حتى اليوم كمنصات لإطلاق الصواريخ.
أضاف: “نحن مساقبين في شمال الليطاني وننتظر انتهاء الأوضاع في الجنوب ليبلّش الفرج عنا، وما فيا البلدية تتناهى أو تنسى هذا الهم الكبير”.
وقال: “نريد استعادة أراضينا وأن يكون صوت البلدية منسجماً مع صوت القوات اللبنانية وصوت الأحرار. هذه أرضنا، ونريد استثمارها واستردادها”.
واعتبر الأسمر أن هذه المعركة تكتسب بُعداً سياسياً واضحاً، لأن المطلوب هو الوقوف “سداً منيعاً” بوجه هذا النهج، من خلال خطة سياسية – إنمائية واضحة، يقودها فريق عمل متجانس لا يسعى لـ “النكايات السياسية”، أو لإعداد “بروفا” الإنتخابات النيابية المقبلة في العام 2026.
الأسمر حذّر من أن وصول الجهة “المناوئة”، التي يفتقد أعضاؤها للتجانس ويتصرف كل منهم وفق أجندته الخاصة، قد يؤدي إلى تفكك المجلس البلدي مجدداً، وعرقلة العمل الإنمائي.
وفي ما يخص الحاجات الأساسية لمدينة جزين، شدد عضو تكتل الجمهورية القوية على أن “عروس الشلال” كما كل لبنان، بحاجة أولاً إلى الاستقرار الأمني والاقتصادي، معتبراً أن هذا الاستقرار هو شرط أساسي لاسترجاع ثقة الناس والمستثمرين، لكي يتمكنوا من ضخ أموالهم وإطلاق مشاريعهم الزراعية والصناعية في المنطقة.
وقال: “نحن بحاجة لتطوير جزين واستثماراتها بشكل فاعل وهذا الامر يتطلب تعاون بين الجهات السياسية وبين القطاع الخاص الذي نعوّل عليه”.
وأوضح: “هذا الأمر قد لا يكون مرتبط مباشرة ببلدية جزين، لكنه مهم على مستوى القضاء ككل، كما الاتحاد البلدي، لأن كما تعني لنا بلدية جزين يعني لنا القضاء، كذلك الامر يعني لنا الاتحاد، لكي نستطيع وضع الخطط معاً بالمستقبل”.
وفي السياق نفسه، رأى أن جزين بحاجة إلى دعم السياحة بطريقة فعّالة، لا عبر حملات إعلامية تكلّف مئات آلاف الدولارات. وشدّد على ضرورة دعم الزراعة والحرفيين، وإنشاء مشاريع سياحية حقيقية تشجع الاستثمارات، من مطاعم ومقاهٍ ومرافق جاذبة.
وانتقد النائب سعيد الأسمر الفريقين المتحالفين اليوم في جزين، قائلاً: “ما بقى بدنا نشوف أعلى شجرة بالشرق الأوسط تنقصّ وتنباع حديد، أو أجمل ساحة بالقضاء تنهدم بسبب نكايات سياسية، أو مشروع شلال لتكرير المياه يتمّ توقيفه وتدميره فقط لأن هناك صراع بين الفريقين المتحالفين حالياً تحت شعار التغيير، بينما هم في الحقيقة غيّروا كل شيء نحو الأسوأ”.
ما يجري اليوم في جزين يتخطّى الانتخابات البلدية، فهو يعكس صراعاً على هوية المدينة السياسية والإنمائية. فهل تعود جزين إلى خيارها السابق؟ أم ستكون هذه المنطقة المفاجأة الثانية بعد “عروس البقاع”؟ الإجابة تُكتب يوم السبت، في صناديق الاقتراع.
