كتبت كريستيان الجميّل:
شن حزب الله الحرب في ٨ تشرين الأول ٢٠٢٣ ضد إسرائيل بقرار أحادي منه وكبد اللبنانيين آلاف الشهداء والجرحى وخسائر مادية بمليارات الدولارات وتسبب في احتلال الجيش الإسرائيلي لمساحات من الأراضي اللبنانية في الجنوب، إلى أن توصل الحزب في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل إلى اتفاق لوقف النار وصفه النائب جميل السيد بأنه استسلام ويقضي في خلاصته إلى نزع سلاح حزب الله في شكل كامل وتفكيك بنيته العسكرية.
لم تكن هذه الضربة الكبيرة هي الوحيدة التي تلقاها حزب الله، بل تبع ذلك سقوط النظام السوري وقطع طريق الإمداد البري بين طهران والحزب عبر دمشق، كما انتخب العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية خلافاً لإرادته وكذلك تسمية القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة.
هذه الضربات المتتالية وعدم وجود مقومات لدى الحزب لإعادة الإعمار خلق موجة كبيرة من الإستياء في صفوف أبناء الطائفة الشيعية وهو ما أقلق حزب الله في شكل كبير، فقرر البدء بهجوم مضاد يتركز على التالي:
١-تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية الحرب ونتائجها وتحريض المواطنين الشيعة عليها.
٢-إظهار الجيش اللبناني مجدداً بصفة العاجز في مواجهة احتلال إسرائيلي تسبب حزب الله به وذلك بهدف إيجاد الذرائع للإبقاء على سلاحه والانقلاب على اتفاق وقف النار وتطبيق القرار ١٧٠١ والتلويح باستخدام ما نبقى من هذا السلاح بشكل أساسي في الداخل.
٣-الإنقلاب على التغيير السياسي الناجم عن انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتسمية القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة وذلك من خلال تصعيد المشكلة جنوبا واستغلال مأساة الأهالي وزجهم في مواجهة مع الجيش والدولة لتحقيق هدف سياسي أساسي وهو إسقاط أي حكومة إصلاحية لا تتبنى شعار جيش شعب مقاومة ولا تضمن سيطرة ثنائي حزب الله وحركة أمل على القرار المالي، وقد قال المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان هذا الكلام في شكل واضح فاعتبر أن “قيمة لبنان من قيمة مقاومته والثنائي المقاوم مركز سيادة وتضحيات لبنان، وتطويق الثنائي الوطني يضرب شرعية أي حكم على الإطلاق، ولا تمثيل بلا تمثيل الثنائي الوطني الممثِّل الحصري لأكبر مكوّن في لبنان، ولن تمر أي حياكة تنال من قيمة ووزن وتمثيل هذا الثنائي المقاوم”.
إن هذا الإنقلاب الذي بدأ به حزب الله وإن كتب له النجاح فسيؤدي إلى مأساة أكبر من الكارثة التي كان الحزب قد زجنا فيها، ولا يجب على القوى السياسية والحكم الجديد السماح بذلك تحت أي عنوان من العناوين فمصلحة لبنان ليست في مراعاة أو مسايرة مشروع حزب الله بل في المواجهة السياسية الحاسمة التي تؤيدها الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني.
فوصول الرئيس جوزاف عون الى سدة الرئاسة الأولى أعاد الأمل للبنانيين جميعاً ببناء دولة قانون ومؤسسات لطالمل حلموا بها، وبالتالي المطلوب اليوم من جميع الفرقاء السياسيين مد يد العون للرئيس لإنجاح هذا العهد وتطبيق كل ما جاء في خطاب القسم، والمطلوب من حزب الله تحديداً العودة الى “لبنانيته” رأفةً بالبيئة الشيعية مع كل ما تتعرض له، وعدم إستعمال هذه البيئة وتحديداً أهالي الجنوب كدروع ومتاريس بشرية بوجه الجيش اللبناني أو بوجه كائن من كان، ورأفةً باللبنانيين جميعاً لأن أي إصلاح او إعادة إعمار منوط بأفعال الحزب وبالتالي لن نتمكن من تنفيذ أي إصلاح في ظل سياسيات “الحزب” “غير اللبنانية”.