في لحظة إقليمية مثقلة بالتحولات ومتسارعة الإيقاع، لم يعد ممكناً مقاربة الواقع اللبناني بعين الإنكار أو بلغة المكابرة السياسية، فمع تآكل التوازنات التي حكمت المشهد طوال سنوات، يضيق هامش الحركة أمام اللاعب الأساسي المحلي "حزب الله" تحت ضغط الوقائع الدولية والاصطفافات الجديدة.
هنا، الساحة اللبنانية مكشوفة على أسئلة كبرى تتجاوز الداخل، وتفرض إعادة قراءة عميقة لموقع كل طرف ودوره وحدود قدرته على المناورة.
وفي هذا السياق، تنقل أوساط ديبلوماسية بارزة تحدثت لموقع LebTalks أن مقتضيات المرحلة تفرض على الحزب نهجاً مختلفاً جذرياً عما سبق، بالتالي المطلوب اليوم، وفق هذه القراءة، شجاعة سياسية في مواجهة الحقائق، لا التفافاً عليها ولا تأجيلاً لمفاعيلها.
تضيف الأوساط أن وضع الرصيد السياسي للحزب في عهدة الدولة اللبنانية بات خياراً لا مفر منه، خصوصاً في ظل معركة ديبلوماسية قاسية تخوضها السلطة الرسمية لوقف الهجمات الإسرائيلية وإنهاء الاحتلال، مستندة إلى الشرعية الدولية وما تبقى من دعم خارجي.
وتلفت هذه الأوساط إلى أن التحولات الإقليمية لم تعد تحمل مؤشرات واعدة لأي تبدل دراماتيكي قد يصب لمصلحة الحزب، لأن خرائط النفوذ يعاد رسمها، وأولويات القوى الكبرى تتقدم فيها ملفات أخرى على حساب الساحات التقليدية للصراع.
وعليه، فإن رهان الانتظار الطويل على متغيرات خارجية بات عبئاً كبيراً على البلد ومصلحته الاستراتيجية، في وقت تآكلت فيه قدرة الحزب على فرض الوقائع بـ"السلبطة" أو الرهان تماماً على تعديل موازين القوى.
من هنا، تتابع الأوساط عينها، يصبح التسليم بالمعطيات القائمة مدخلاً إلزامياً لإعادة التموضع، لا من موقع التراجع، بل من زاوية عقلانية تعيد الاعتبار للدولة كإطار جامع وحيد قادر على خوض المواجهة السياسية والقانونية مع إسرائيل.
فتعزيز موقع الدولة ودعم خطابها الدبلوماسي يمنح لبنان فرصة فريدة لإعادة تجميع أوراقه المبعثرة، بدل استمرار الحزب في سياسات الانفراد والتصلب حول ملف السلاح، التي تضعف موقعه التفاوضي عبر لجنة "الميكانيزم" وستستنزف حكماً جزءاً كبيراً من أدوات الدولة وقوتها.
وتخلص الأوساط إلى التأكيد أن المرحلة المقبلة لا تحتمل مزيداً من الرهانات المؤجلة أو الحسابات الرمادية، إنها لحظة الخيارات الواضحة، حيث يصبح الانخراط في المسار الرسمي للدولة استثماراً في الحد الأدنى من الاستقرار والسيادة، لا تنازلاً عن الثوابت.
وختمت الأوساط بالقول: في عالم يعاد ترتيبه على وقع المصالح الباردة، من يغفل قراءة واقعه بجرأة يجد نفسه خارج المعادلة، مهما تراكمت أوراقه في الماضي.