الانتصار الحقيقي بين سطور قرار وقف النار.. والقرار 1701

celebrations in da7eye

كتبَ جورج أبو صعب:

صحيح أننا انتصرنا …

بمجرد انتصار منطق الدولة على منطق الدويلة… انتصرنا

بمجرد انتصار منطق السلاح الشرعي على منطق سلاح الميليشيات… انتصرنا

بمجرد فكّ الربط بين المسارات والعودة الى المسار اللبناني… انتصرنا

بمجرد سقوط وحدة الساحات… انتصرنا

بمجرد العودة الى المؤسسات الدستورية والإعداد لانتخاب رئيس خلال الستين يوماً… انتصرنا

بمجرد دخول الجيش اللبناني مناطق الجنوب وانتشاره فيها مع اليونيفيل… انتصرنا

بمجرد العودة الى القرارات الدولية والشرعية الدولية بدل الهرطقات والشعارات الخشبية الفارغة… انتصرنا

بمجرد التفاف العالم حول تطبيق القرارات رقم 1680 و1559 و1701 وإلزام لبنان بها… انتصرنا.

هذه هو الانتصار الفعلي… انتصار لبنان… انتصار منطق الحق على منطق الباطل… منطق الولاء للوطن بدل الولاء للخارج الى حدّ التبعية العمياء والمأدلجة.. نعم انتصر لبنان الشرعية… لبنان الحق … لبنان الدولة.

ألم يوافق حزب الله على الاعتراف بأهمية قرار مجلس الامن رقم 1701؟ طبعاً لقد فعل، ألم يعترف حزب الله باعتبار القوات الأمنية والعسكرية الرسمية للبنان هي الجهة المسلّحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو ونشر قواتها في جنوب لبنان؟ طبعاً فعل، ألم يعترف حزب الله بتفكيك جميع المنشآت غير القانونية المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد المتعلّقة بها؟ طبعاً فعل، ألم يوافق حزب الله على تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة أية أسلحة غير شرعية لا تتماشى مع الالتزامات؟ طبعاً فعل، ألم يوافق حزب الله على أن لا يقوم وجميع الجماعات المسلّحة الأخرى في الأراضي اللبنانية باأي عمل هجومي ضد إسرائيل؟ طبعاً فعل.

إسرائيل تلك التي كانت “أوهن من بيت العنكبوت” والتي كان بالإمكان رميها في 6 دقائق ونصف الدقيقة في البحر بحسب قول العرّاب الإيراني، والتي كانت تمشي على نصف رجلٍ… إسرائيل تلك التي جاء اتفاق وقف إطلاق النار (أو اتفاق الهدنة) ليضمن لها عدم شنّ هجمات ضدها من لبنان (وبالتالي ضمان أمنها)، ويضمن لها حق الدفاع الذاتي ضمن أطر المواثيق الدولية (ضمان حقها في التدخّل في لبنان)، وليضمن لها عدم إعادة تكوين حزب الله لترسانته المسلّحة من خلال تفكيك المنشآت غير الشرعية المعنيّة بإنتاج الأسلحة والمواد المتعلّقة بها وتفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة أي أسلحة غير شرعية (ضمان عدم عودة الحزب الى التسلّح والتهديد)، وصولاً الى نشر لبنان قواته الرسمية وقوات الجيش على طول الحدود ونقاط العبور.. (أي الحدود الشرقية والشمالية) فضلاً عن الخط الذي يُحدّدُ المنطقة الجنوبية وفقاً لخطة الانتشار (ضمان منع تسريب الأسلحة عبر الحدود)… كل هذه “الإسرائيل” نجدها اليوم في وضعٍ مريح مع أن الحزب يقول بإنه انتصر .

موافقة الحزب على تطبيق القرار 1701 يعني:

-موافقته على الفقرة 3 منه لجهة ممارسة حكومة لبنان كامل سيادتها حتى لا تكون هناك أي أسلحة من دون موافقتها ولا سلطة غير سلطتها حكومة.

-موافقته على دعم وقف دائم لإطلاق النار وحلّ طويل الأجل استناداً الى مبادئ ليس أقلها إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين الخط الأزرق ونهر الليطاني وخالية من أي مسلحين أو معدّات أو أسلحة بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (الفقرة 8).

-موافقته على التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680 اللذين يطالبان بنزع سلاح كل الجماعات المسلّحة في لبنان، وبالتالي موافقة الحزب على نزع سلاحه في كل لبنان وليس فقط في الجنوب الى جانب باقي الجماعات المسلّحة (الفقرة 8).

-موافقته على ترسيم الحدود الدولية البرّية ومعالجة مسألة مزارع شبعا، وبالتالي قبوله بسقوط مبرِّر السلاح ومبرِّر تحرير الأرض في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، تلك السردية التي لم تقنعنا يوماً.

-موافقته على أن تقوم حكومة لبنان بتأمين حدوده وغيرها من نقاط الدخول لمنع دخول الأسلحة أو ما يتّصل بها من عتاد الى لبنان من دون موافقتها، وتوسيع مهمة قوة الأمم المتحدة الموقتة من خلال الفقرة 11 من القرار لمساعدة حكومة لبنان لدى طلبها المساعدة على تنفيذ هذه المهام، وبالتالي فإن الحزب الذي وافق على كل هذه المندرجات والأحكام العائدة للقرار 1701 بات ملزَماً بتسليم سلاحه للدولة اللبنانية لانتفاء أي مبرِّر محلي (تحرير الأرض) أو إقليمي (وحدة الساحات وإسناد غزّة ومحور المقاومة)، الأمر الذي لا يترك أمامه خيارات أخرى سوى تلك “الانتحارية” التي من المستبعد أن يلجأ اليها.

سبق لنا وأشرنا في أكثر من مقال الى أن القرار 1701 أنهى في مندرجاته معادلة “شعب وجيش ومقاومة”، وأنهى معها سردية البيانات الوزارية التي أقرت الحق بالمقاومة كون لا وجود له (نزع سلاحٍ منصوصٍ عليه في القرار 1701 كما صار شرحه وعرضه أعلاه)، لكن إصرار الحزب منذ العام 2006 على رفض تطبيق القرار الأممي المذكور كان مردّه الإفساح في المجال أمامه لتنفيذ أجندة خدماتية لإيران خلال هذه الفترة، ما سمح لها بالتوصّل الى اتفاق نووي عام 2015، كما سمحت لنظام الملالي بقمع الحركات الاحتجاجية داخل إيران، وسمحت لحماس والجهاد الإسلامي بالتسلّح وإنتاج الصواريخ… وسواها من أمورٍ تعود لمصلحة إيران بالدرجة الأولى.

أما اليوم، وأمام تغيّر الموازين وتغيّر التوازنات الإقليمية والدولية، باتت طهرات تلهثُ وراء الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لتقديم أوراق اعتماد لإدارته الجديدة وفيها وزراء متشدّدون ضد إيران وطهران وهي ليست مطمئنة للمستقبل وبخاصة لمستقبل النظام.

من هنا الضغط الإيراني على حزب الله للقبول بشروطٍ صعبةٍ ومصيريةٍ تُنهي دوره وسلطة سلاحه الذي هو سلاح إيراني أولاً وأخيراً، ولطالما قَبِلَ الحزب بكل هذه الأمور، فلم يعد أمامه هو الذي قَبِلَ بالأصعب سوى العودة الى داخل لبنان وعقد طاولة وطنية للتشاور حول استراتيجية دفاعية وتسليم سلاحه للدولة اللبنانية وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة سيادية قادرة على تطبيق التزامات لبنان وشرعتنها دستورياً وإعادة تشكيل مؤسسات الدولة وتقويتها… وعندها يكون منتصِراً… والا فإن الأيام المقبلة ستكون صعبة على الداخل اللبناني والانتصارات ستتحوّل الى “أسطوانة” موت وتوترات لا تُحمَدُ عُقباها.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: