لا يمكن إغفال واقع سياسي كرّسته المرحلة ومقتضياتها وظهرت من خلال طبيعة مداخلات النواب في جلسات مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام، وذلك من خلال عملية العرض المفصّل لجملة التحديات والإستحقاقات السياسية والأمنية والإقتصادية والمالية.
ومن هنا، تكتسب جلسات النقاش في المجلس النيابي، أهميةً قصوى لجهة إجراء نوعٍ من “كشف الحساب” للمرحلة الماضية ووضع واقع البلاد تحت المجهر تزامناً مع وضع الإصبع على الأزمات الفعلية التي واجهها ولا يزال لبنان والتي تقتضي عملية الخروج منها، خارطة طريق سيادية بالدرجة الأولى تعيد للدولة ومؤسساتها، دورها الوطني في كل المجالات.
ومن ضمن هذا الواقع، فإن مداخلة النائب فؤاد مخزومي بدت لافتة من حيث التأكيد على الطابع غير التقليدي للبيان الذي خرج عن سياق البيانات السابقة للحكومات المتعاقبة، خصوصاً وأنه وضع ملاحظاتٍ وطرح أسئلة لا بدّ منها من أجل العبور إلى المرحلة الجديدة التي بدأت مع انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزف عون.
ولذا لا يمكن إلاّ التوقف عند بضعة ملاحظات أضاء عليها النائب مخزومي إذ أشاد بقرار احتكار الدولة للسلاح وحصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة، إلاّ أنه أشار إلى أن البيان الوزاري، الذي أبقى مسألة السلاح وحق الدفاع “مطاطة” حيث ربط حق الدفاع بلبنان وليس بالدولة اللبنانية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة الذي تنص المادة 51 منه على “حق الدولة فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم، فيما كان من الأجدى استخدام عبارة الدولة منعاً لأي لغط أو التباس”.
أمّا عن الإستراتيجية الدفاعية، فقد طرح ملاحظات أساسية، إذ ركز مخزومي على أن هذا البند أتى أيضاً “مطاطاً” حيث لم يحدد فترة زمنية لإنجاز هذا الملف ما يوحي بعدم وضوح وضبابية موضوع حصر السلاح بيد الدولة، وبالتالي فإن التعامل مع الواقع الأمني ومع اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701 ومن الناحية الأمنية بشكلٍ خاص، ليس على قدر المستوى الذي ارتبطت فيه الدولة مع المجتمع الدولي لتنفيذ ال1701 كما لا يتعامل مع الواقع الجديد في لبنان والمنطقة.
وبالتوازي، فإن الجانب الإقتصادي والمالي لم يغب عن مداخلة النائب مخزومي، الذي تطرق إلى هذا الملف من زاوية الإصلاح المالي والإداري والإقتصادي، وقد تمنى مخزومي لو طلبت الحكومة صلاحيات تشريعية إستثنائية لتنفيذ هذه الإصلاحات سواء بالنسبة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي أو التفاوض مع صندوق النقد الدولي حماية الودائع، مشيراً إلى أنه على الرغم من تأكيد الحكومة على أولوية ملف ودائع اللبنانيين ومن دون الحديث عن الفجوة المالية، فإنه يرسل إشارة ناقصة حول القطاع المصرفي وكيفية التعامل معها، وصولاً إلى الكشف عن ثغرة بارزة في البيان الوزاري، تتمثل على حد قول النائب مخزومي، وهي عدم ذكر رفع السرية المصرفية وتعديل القانون الحالي غير الفعال والتدقيق المصرفي، كما التحويلات التي حصلت في العام 2019.