كتبت لينا البيطار: “ساعدناكم من قبل فساعدونا اليوم بفتح أبواب بلدانكم لقبول الفلسطينيين المهجّرين قسراً من ديارهم”.. هذه العبارة الواضحة والصريحة هي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أما الدولتين المخاطبَتين فهما مصر والأردن.. إنها فكرةٌ قالها ترامب بصوتٍ مرتفعٍ يبدو لكن يبدو أنها أبعد زلة لسان، فالرجل يريد تحويل قطاع غزة المنكوب الى “ريفييرا الشرق الأوسط” على حدِّ تعبيره، فماذا وراء هذا الاقتراح المفاجئ؟ وهل الشرق الأوسط أضحى تحت مجهر “معادلة جديدة” عنوانها إيجاد “الوطن البديل” للفلسطينيين الذين يعتبرون أن ما أعلنه ترامب هو بمثابة “نكبة” جديدة تتخطى في خطورتها نكبة ١٩٤٨ إبان تأسيس دولة إسرائيل؟
كلام ترامب الذي وصفَ غزة بـ”ورشة هدم” دفع بالإعلام العربي والأجنبي الى اعتبار أن الأخير نصّبَ نفسه “صانعاً للعقارات”، هو الذي انطلق بأعماله السابقة كمطّورٍ عقاري، ولم يجد عائقاً يحول دون استقبال مصر والأردن وأندونيسيا وحتى ألبانيا، مقابل تعويضات مناسبة، لأكثر من مليوني فلسطيني من غزة تحت ذريعة أن إعادة إعمار القطاع تحتاج الى ما يقارب عشر سنوات على الأقل وتكلّف عشرات مليارات الدولارات.
أول رافضي فكرة ترامب بنقل سكان غزة إليهما كانتا مصر والأردن اللتين اعتبرتا أن ما صرّح به الرئيس الأميركي خطة متهوّرة تشكّل تهديداً حقيقياً للأمن الوطني والاستقرار الداخلي في كلتي الدولتين، إضافة الى تهديد التوازن الديمغرافي في المملكة الأردنية الهاشمية تحديداً التي يبلغ سكانها نحو ١١ مليون نسمة نصفهم من أصول فلسطينية وعراقية، ناهيك عن الانعكاس السلبي على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي سواء في مصر أو الأردن، فهل سيؤدي هذا الرفض الثنائي الى إجراءات عقابية ضد الدولتين اذا رفضا المقترح الأميركي؟
وزارة الخارجية الأندونيسية بدورها أعلنت أن العاصمة جاكرتا ترفض بشدة محاولة النقل القسري للفلسطنيين اليها، معتبرةً أنه “يجب احترام القانون الدولي ولا سيما حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، علماً أن أندونيسيا هي أكبر دولة في منظمة التعاون الإسلامي وأن نسبة المسلمين فيها يشكّل 87% من عدد السكان البالغ 270 مليون، وهي تملك مساحات جغرافية شاسعة من الأراضي من ضمنها 17 ألف جزيرة، مع الإشارة الى أنها ترفض الاعتراف بدولة إسرائيل الى حين التوصّل الى اتفاق سلام بين إسرائيل وفلسطين، أما ألبانيا فهي دولة علمانية بحسب الدستور رغم أن الدين الأكثر شيوعاً فيها هو الإسلام وبشكلٍ رئيسي المذهبين السنّي والباكشاتي.
ترامب مصممٌ على إيجاد “حلٍّ ما” لسكان غزة حتى لو اقتضى الأمر أن يكون خارج منطقة الشرق الأوسط، وقد يكون الأمر مجرد “بالون اختبار” لمخطط أبعد من طرد جماعي يرقى الى مستوى التطهير العرقي.. وحدها الأيام كفيلة بإعطاء الجواب الصحيح!