Search
Close this search box.

التصعيد الروسي في أوكرانيا ومخاطر الانزلاق الى مواجهة مع الناتو

شهدت الساعات الأخيرة في العاصمة الأوكرانية كييف هجوماً صاروخياً روسياً مدمِّراً أدّى الى دمار هائل في المباني السكنية وإصابة مستشفى للأطفال إصابةً مباشرةً.

هل من تواطؤ لحصر التصعيد الميداني على أرض أوكرانيا؟

هذا الهجوم بنوعيته وكثافته هو الأول منذ أشهر بعدما كانت ساحات المواجهة قد شهدت تراجعاً ملحوظاً في القتال وتوقّف آلة الدمار الروسية عن قصف العمق الأوكراني.

وفي استخلاصٍ أولي لهذا الهجوم الروسي، يمكن القول إن الرئيس فلاديمير بوتين يريد توسيع الحرب والمواجهة، ليس مع أوكرانيا فقط، بل مع حلف الناتو الذي عاد برزمة دعم لكييف ما يجعل السؤال يُطرح حول ما اذا كان من مصلحة موسكو، وربما أيضاً من مصلحة الناتو حصر المواجهة بينهما على الأراضي الأوكرانية،

فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي توعّدَ بالردّ على الهجوم الروسي مطالباً الناتو بمساعداتٍ عسكريةٍ عاجلةٍ وكأنه يوجّه رسالته الى موسكو بأن المزيد من التصعيد الروسي سيقابله مزيداً من دعم الناتو لكييف.

فرص السلام تتهاوى بين موسكو وكييف

مقتل العشرات في كييف وإصابة مستشفى للأطفال ليس تطوراً عادياً، فيما يبدو أن فرص السلام تتهاوى بعدما تمسّك الرئيس الروسي بمطالبه “التعجيزية ” التي لا يمكن لكييف الموافقة عليها لما تعنيه تخليها عن قسمٍ من سيادتها على أراضيها شرقي البلاد.

هذا التطور العسكري الذي استخدمت فيه موسكو صواريخ “فرط صوتية”(hypersonic) سريعة ومدمِّرة لا يمكن سوى أن يشدُّ من أزر حلفاء أوكرانيا للمزيد من الدعم والمساعدات العسكرية والمالية، وقد كشفَ الرئيس زيلينسكي عن إطلاق موسكو أكثر من أربعين صاروخاً تسبّبوا بإلحاق أضرارٍ هائلة شرقي وجنوبي أوكرانيا، مروراً بكييف ودينيبرو وكراماتورسك وغيرها من مدن مستهدفَة، ما يدلُّ على نيّةٍ روسيةٍ بتوسعة الحرب واللجوء الى صواريخ “كينجال ” فرط الصوتية يصعبُ تتبّعها وإصابتها أو اعتراضها لسرعتها التي تعادل عشرة أضعاف سرعة الصوت.

في المقابل، طالبَ الرئيس زيلينسكي بانعقاد جلسةٍ طارئةٍ لمجلس الأمن، الأمر الذي يجب أن يكون بديهياً من قبل الأسرة الدولية لأنه لا يمكن السكوت عن مثل هذه الانتهاكات الروسية الفظيعة لسيادة مدن دولةٍ مستقلةٍ وشعبٍ آمنٍ … وأطفال أبرياء.

روسيا وحبل الكذب القصير

الرواية الروسية من جهتها، وكالعادة تنحو باتجاه إلقاء اللوم والمسؤولية على كييف  بإصابة مستشفى الأطفال عبر صواريخ المضادات الأوكرانية، وكأن روسيا وحدها تملك صواريخ “دقيقة ” تقوم “بملاعبة” الأوكرانيين فيما كييف تملك خُردة، أو كأن الحكومة الأوكرانية تريد قتل شعبها، الأمر الذي لا يستقيم معه منطق ولا حقيقة، فموسكو التي تتبجّحُ بإصابتها لأهداف عسكرية صرف تنسى أن في تكنولوجيا المعلومات والتصوير فيديوهات ومشاهد مسجّلة بإمكانها كشف حقيقة ومصدر استهداف الأهداف المدنية والمشافي، وبالتالي وكما يُقال باللغة العامية “حبل الكذب قصير “، فلا شيء ولا أي سياسة أو قانون أو حرب أو مشروعية تبرّرُ استهداف مشافي الأطفال مهما كانت المبرّرات والروايات.

الرئيس زيلينسكي ذاهبٌ الى قمّة الناتو في واشنطن، حيث من المقرّر أن تتمَّ مناقشة  سبل تقديم مساعدات عسكرية طويلة الأمد وتدريب عسكري لأوكرانيا، وهو توقّفَ في وارسو التي تدعم بشكلٍ كبيرٍ أوكرانيا في حربها ضد الروس، فبولندا من أكبر الداعمين لأوكرانيا وقد عرضت حوالي 4 مليارات دولار من المعدات العسكرية والتدريب، وهي من المبادرات التي من المرجّح بحسب معلوماتنا أن يتولّى حلف الناتو تنسيقها، بالإضافة الى سائر المساعدات العسكرية والتدريبية للقوات الأوكرانية فور موافقة الناتو عليها.

إشغالٌ أطلسي في الوقت الضائع

قمّةُ الناتو ستستمر ثلاثة أيام وستناقش بعمق دورها في أوكرانيا ودعمها لها، في ظل حديثٍ متنامٍ عن اتساع رقعة التورّط الأطلسي في الحرب ضد روسيا بدلاً من الولايات المتحدة الأميركية المنشغِلة حالياً في معركتها الرئاسية،

فأوروبا تريدُ منح كييف وجوداً أكبر داخل الناتو رغم عدم عضويتها فيه باستثناء معارضة المجر من خلال رئيس وزرائها فكتور أوربان الذي زار الصين في محاولةٍ لإيجاد أرضية تفاوضية للسلام بين موسكو وكييف، وقد جاءت تلك الزيارة خارج التوقّعات وغير منسّقَة مع الشركاء الأوروبيين، وذلك محاولةً منه لتفادي المزيد من الإحراج تجاههم من جهة، ورغبة منه في تعويم دور مستقلّ له في الأزمة.

مهما يكن من أمرٍ، فإن الذي حصل من استهداف روسي وحشي لأوكرانيا يجب أن ينبّه الناتو الى أن موسكو لا تبالي في هجوماتها وهي تقصف الحجر والبشر وتدّعي قصف مخازن ومواقع وجود سلاحٍ أطلسي لأوكرانيا، الأمر الذي لا يجب أن يمرَّ من دون عقابٍ أو أقله اتخاذ إجراءات حماية المساعدات العسكرية الأطلسية لكييف.

موسكو والسلام المشروط وفق مصالحها

روسيا تريد السلام وفق مصالحها في أوكرانيا، بينما السلام يفترض تنازلات والتقاء حول نقاطٍ مشتركةٍ، لكن مع الرئيس بوتين يبدو الأمر أشبه بفرض شروط من منطلق موازين القوة في الميدان باشتراطه انسحاباً كاملاً للجيش الأوكراني من المناطق التي يريد ضمّها الى روسيا في شرق أوكرانيا، ما يُبعِد أي أملٍ بالسلام ما لم تتعدّل تلك الموازين لصالح كييف ميدانياً. 

من هنا، فإننا نعتقد بأن الوضع الميداني هو معيار حلّ الأزمة ووقف الحرب لكن هذا يعني مواجهةً بين روسيا والناتو “بالواسطة” أي على أرض أوكرانيا الى جانب العمليات الاستخبارية، لا بل الحرب الاستخباراتية بين الطرفين التي كان آخرها ما تسرّبَ عن إحباط موسكو محاولةً أوكرانية للاستيلاء على قاذفة استراتيجية روسية من طراز “توبوليف” المتطوّر، وكانت حصلت محاولة مماثلة في العام 2022.

تصعيد روسيا للموقف إذاً لا يترك أي مجالٍ الا للغة الحرب والمواجهة في غياب أي أفقٍ حتى الآن لسلامٍ منطقي ومقبول من الطرفين، ما قد يعني مزيداً من استدراج الناتو في المواجهة القائمة ضد موسكو وإمداد كييف بالمزيد من السلاح والعتاد والتدريبات لصدّ التصعيد الروسي،

فالسلامُ بعيد … وأوروبا وأوكرانيا والناتو أمام ساعة الحقيقة تجاه موسكو التي تجاوزت وتتجاوز كل الخطوط الحمر … الرئيس بوتين من حيث يدري أو لا يدري يدفعُ أكثر فأكثر كييف نحو أحضان الناتو وأوروبا في مزيد من التشدّد والعسكريتاريا.

يبقى أنه على المجتمع الدولي أيضاً أن يتحمّل مسؤولياته، وإن كان الفيتو الروسي في مجلس الأمن يمنع إدانة روسيا لهجماتها القاتلة، فأقله يمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة  إصدار بيان إدانة، ما يتطلبُ حملة اتصالات شاملة لكييف مع أعضاء الجمعية العمومية بدعم غربي واضح ومباشر .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: