التفاوض حتمي.. والدولة أمام اختبار جديد

lebanon-r8axz7291xx51rp4cu95fu1wtzi3lnxeo0rlii2140

مجدداً، يقف لبنان في قلب العاصفة، ففي وقت تتبدل فيه خرائط المنطقة، وتعاد صياغة العلاقات بين الدول، تنتقل المعارك من الميدان العسكري لتتأرجح بين ساحتَي الإعلام والسياسة.

اليوم، يخوض حزب الله معركته على الجبهة الإعلامية، مروجاً لخطاب يوحي بأنه يرفض نزع السلاح والتفاوض مع إسرائيل، فيما الحقيقة أبعد من ذلك بكثير. فبين السطور، تبدو ملامح رضوخ تدريجي لمسار تفاوضي بدأ فعلياً، وإن تحت مسميات مختلفة.

ولا يمكن إنكار أن الضربات الإسرائيلية المتصاعدة تحمل هدفاً واضحاً، وهو الضغط الميداني والسياسي لفرض واقع جديد على "الحزب" والدولة اللبنانية معاً.

في هذا السياق، تشير مصادر ميدانية إلى أن هذا التصعيد ليس عبثياً، بل جزء من استراتيجية إسرائيلية تدفع نحو تفاهم أمني أو تسوية ديبلوماسية تضمن لإسرائيل استقرار حدودها الشمالية، وتضع "الحزب" والدولة أمام خيارين، إما الانخراط في تفاوض غير مباشر، أو مواجهة عسكرية لتدمير ما تبقى من ترسانة "الحزب".

وتؤكد أوساط ديبلوماسية أن القرار بالتفاوض يبدو محسوماً، أكان يُسمّى "اتفاقاً أمنياً" أو "ترتيباً ميدانياً" أو "تفاهماً سياسياً". فالدولة اللبنانية أمام واقع جديد لا يمكن إنكاره، إما أن تدخل قطار السلام الذي يتحرك في المنطقة بخطوات متسارعة، أو تجد نفسها خارج المشهد الإقليمي تماماً، بلا دور ولا تأثير.

المسألة لم تعد مرتبطة بما إذا كان التفاوض سيحدث أم لا، بل بهوية الجهة التي ستمثّل لبنان في هذا المسار. هل ستكون الدولة اللبنانية هي المرجعية الرسمية كما تفرض الأعراف والسيادة، أم أن "الحزب" سيحاول احتكار الدور وفرض نفسه كطرفٍ مباشر في أي تسوية؟

وتحذّر الأوساط من أن تجاوز الدولة في أي مفاوضات يشكّل خطراً على النظام السياسي اللبناني، لأن التعامل المباشر مع "الحزب" يعني عملياً الاعتراف به ككيانٍ موازٍ للدولة، ما يُكرّس تضارب الشرعية بين "الدولة الرسمية" و"الدولة الفعلية".

في المقابل، هناك من يرى أن الفرصة لا تزال قائمة أمام لبنان لاستعادة زمام المبادرة. فإعادة الإمساك بملف التفاوض رسمياً قد تكون الخطوة الأخيرة لإنقاذ هيبة الدولة ودورها، شرط أن تُدار العملية ضمن مؤسساتها الشرعية لا من خارجها.

التحدي الحقيقي يكمن في نزع السلاح، والخطر في نزع القرار من يد الدولة، وفي حال بدأ الأميركيون أو غيرهم بالتواصل مع "الحزب" بشكل مباشر، متجاوزين المؤسسات اللبنانية، نكون قد دخلنا مرحلة جديدة من الانهيار الوطني والسياسي، حيث يصبح الكيان اللبناني نفسه مهدداً بفقدان شرعيته الداخلية والدولية.

المرحلة المقبلة لن تُقاس بعدد الصواريخ أو التصريحات، بل بمن يملك حق الكلام باسم لبنان، إما أن تُثبت الدولة أنها الحاضنة الوحيدة للقرار الوطني، أو تُسلّم مصيرها لمن يفاوض عنها من دون تفويض، فيغيّر وجه البلد من دون أن يسأله أحد.

لبنان لا يحتمل اتفاقاً جديداً يعقد في الظل، ولا سلاماً يبنى على تهميش مؤسساته، والخطر الحقيقي ليس في أن يُنزع السلاح، بل في أن تُنتزع السيادة.

وفي زمن التحولات الكبرى، من لا يملك قراره، سيُدار من الآخرين، ومن لا يفاوض باسم نفسه، سيفقد حقه في رسم مصيره.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: