Search
Close this search box.

التكنولوجيا في مواجهة الأيديولوجيا…هل يكون البيجر “كعب أخيل”؟!

pagers

كتب جورج أبو صعب في موقع lebtalks: كان لا بدَّ من مراقبة الأوضاع والتطورات خلال اليومين الماضيين وانتظار كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بعد الذي حصل من تفجيرات سميناها في مواضع أخرى “هيروشيما مصغّرة ضد حزب الله “، قبل تكوين رأي واضح ومتكامل.

ممّا لا شكّ فيه، وبناءً على كلام أمين عام الحزب الأخير بأن الحزب مُنِي بضربةٍ كبيرةٍ وغير مسبوقةٍ وغير متوقّعة بهذا الحجم، بحيث بلغت خسائره البشرية، وفق إحصاءات الحزب المرسلَة الى أمينه العام حوالي 7600 عنصر.

خطورة ما حصل تكمنُ في النقاط الآتية :

-أولاً : ظهور إسرائيل بمظهر القادر ليس فقط على خرق صفوف الحزب وإمكانياته وشبكة اتصالاته، بل وأيضاً إمكانية خرقها لأصغر خلية حزبية بدءاً من منازل ومكاتب وشوارع البيئة الحزبية الحاضنة، إن على مستوى القيادات أو على مستوى العناصر الميدانية للحزب وعائلاتهم، إذ إن

مثل هذا الخرق بتحقّقه لشلّ حركة الميدان يؤثر تأثيراً مباشراً على التنسيق والترابط الميدانيَين على الجبهات والمواقع العسكرية، ويجعل من السهل على إسرائيل شنَّ هجماتها بطريقة مجزّأة ومستفرِدة بكل نقطةٍ أو قاعدةٍ صاروخيةٍ أو مركزٍ عسكري يستهدفه بأقل كلفةٍ ممكنة.

-ثانياً : إظهار وَهنَ التنظيم الحزبي عبر  الاتصالات والتواصل على مستوى القيادة كما على المستوى الميداني، فانكشاف الحزب بهذا الشكل المريع يحملُ أكثر من علامة استفهام حول قدرته على المواجهة الحقيقية ضد إسرائيل، لاسيما وأن أمينه العام أقرَّ، وعلى لسانه، بتفوّق إسرائيل التكنولوجي على الحزب، علماً أن الحروب اليوم وفي قسم أساسي منها تُخاضُ عبر التكنولوجيا العسكرية المتقدّمة، وبخاصةٍ في مواجهة العدو الإسرائيلي المدعوم أميركياً وأطلسياً، فما حصلَ من تفجيرات وتسلّل أنظمة التفجير عن بُعد وفي نفس التوقيت من شأنه أن يجعل أي انسان يسأل عن مدى القدرة لدى الحزب، بسلاحه وصواريخه ومُسيّراته، على مواجهة عدوٍ يدخل الى حضن بيئته وكيانه ليفجّرهما من الداخل، حين لا تعود تنفع الصواريخ والمُسيّرات والباليستيات بوجود عناصر وضباط “معطوبين” بفقدان النظر أو بتر الأعضاء أو خسارة أحدى الحواس خصوصاً البصر.

-ثالثاً : بعد القراءتين أعلاه، نأتي الى الخلاصات السياسية والجيو سياسية المرتبطة من دون أدنى شك بإرهاصات الوضعَين الإقليمي والدولي:

أ- سبق لنا ومنذ فترة ما قبل اندلاع ما سُمّي ب”طوفان الأقصى ” أن أشرنا الى أن ثمّةَ قراراً مركزياً على أعلى مستويات القيادات الاستخبارية والسياسية  الكبرى في عواصم القرار الغربي قد اتُخذ بإنهاء الدور الإيراني التقليدي منذ السبعينيات والمتمثّل بتوسّع نفوذ ولاية الفقيه في المنطقة العربية عبر الانتهاء من الوكلاء، وقد شكّلَ “طوفان الأقصى” الفرصة السانحة لوضع القرار قيد التنفيذ، فكان ما كان من مأساة في قطاع غزّة لم يدفع ثمنها سوى الشعب الغزاوي من لحمه الحي وأرزاقه وأعماره وعائلاته وحياته.

ب- ليس من مصلحة إيران، وبعد خسارتها شبه الكلية للورقة الفلسطينية، أن تخسر أيضاً الورقة اللبنانية الممثّلَة بحزب الله، الذي هو درّة تاجها الإقليمي وهذا ما يدركه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، محاولاً حشر إيران واستفزازها  مع وكلائها الى أقصى حدّ لجرّها الى المواجهة المطلوبة، لكن إيران لا تزال حتى الآن تدرس كيفية عدم الوقوع في الفخّ الإسرائيلي، وإن كان تجنّب هذا الفخّ مُكلفٌ لها ولوكلائها الإقليميين.

ج- إسرائيل التي تعرّضت لضغوطٍ دولية وأميركية كبيرة جداً، وتحديداً في الآونة الأخيرة، وإزاء تزايد وتيرة التصعيد مع لبنان  لمنعها من إلحاق الأذى الكبير به وبشعبه في ما تبقّى من بناه التحتية والفوقية، في غياب الدولة ورأسها وإعادة تشكيل سلطة، فضلاً عن الأكلاف الكبيرة على إسرائيل وآخرها تصريحات آموس هوكشتاين المحذٍّرة للبنان وإسرائيل معاً،  يبدو أي إسرائيل أنها قرّرت اللجوء الى منهجيةٍ عسكريةٍ وحربيةٍ تعتبرها هي أقل كلفة عليها، بما يمكنُ تسميته “حرب القضم العسكري”، أي أن تقوم بعملياتٍ حربيةٍ نوعيةٍ ضخمةٍ تبقى من جهةٍ تحت سقف عدم الولوج الى حرب شاملة، وفي نفس الوقت تحقّقُ لإسرائيل ما تعتبره أهدافها، وبالتالي اللجوء الى أكبر قدر من عمليات الاغتيالات والتفجيرات والهجمات السيبرانية المشلِّة للتحرّكات الميدانية واتصالاتها مع قيادات التحكّم والتنسيق، وصولاً الى تنفيذ عمليات تفجيرٍ نوعيةٍ غير مسبوقةٍ كما حصل منذ أيام مع تفجير أجهزة “البيجرز” وأجهزة اللاسلكي … بالتزامن من زيادة وتيرة الضغط العسكري من خلال القصف الجوي والغارات على مجمل قطاعات منطقة الجنوب اللبناني كما حصلَ ويحصلُ الى الآن، حيث تعلنُ إسرائيل استهداف منصّات صواريخ ومراكز تخزين أسلحة ومراكز قيادية ميدانية وعناصر من الحزب …فالسؤال يبقى : هل انتهاج تل أبيب مثل هذه الخطط يُغني عن حرب شاملة أو يكون تمهيداً لمثل هذه الحرب؟ وكيف ومتى؟

الأكيد أن بنيامين نتنياهو يحاول الاستغلال والاستثمار في الوقت والهروب الى الأمام، لكن هذا الهروب دونه استنزافٌ للبنان بقدر ما هو استنزاف للحزب ولإسرائيل نفسها في الوقت المتاح له، بينما الأميركي مشغولٌ بانتخاباته الرئاسية، والأوروبي منهمكٌ بحرب روسيا ضد أوكرانيا،  ومواجهة تحدياته الداخلية من هجرةٍ وبطالةٍ، والروسي ممعنٌ بمواجهاته الميدانية في أوروبا، والصيني معتكفٌ لا يبالي سوى ببيع مقاتلاته لمصر وتدشين مشاريع صناعية ضخمة مع دول العالم وتصدير تكنولوجيته، في ظل ستاتيكو تايواني- أميركي طويل المدى، كل هذا  يجعلنا نتوقّعُ كل أشكال الغطرسة من طرف إسرائيل و حكومة نتنياهو الصهيونية المدمِّرة .

د- إسرائيل منذ أيام نفّذت هجوماً استباقياً جديداً ولكن على نطاق شامل، بمعنى استباق شيء ما آتٍ، وكل الاحتمالات مفتوحة من حرب أو اغتيالات نوعية ضخمة أو تفجيرات من نوع جديد مختلف، فلبنان كله باتَ في حالة حرب وليس فقط جنوبه، فيما “إسرائيل التكنولوجيا” تواجه حزب الله الأيديولوجيا والصراع بينهما وعبرهما مع إيران معرّضٌ لشتى التحوّلات السياسية والميدانية في ظل رسالة إسرائيلية تلقّفتها القيادة الإيرانية كما قيادة حزب الله ومفادها “نطالكم أينما كنتم”، فيما على ما يبدو بعد الذي حصل وسوف يحصل لم يعد الانسحاب الى شمال الليطاني مطروحاً لان نتيناهو يحاول جرَّ إيران الى المواجهة والحسابات الاستراتيجية باتت معروفةً والمعادلة واضحة : حرب شاملة = ضرب النظام الإيراني .

من هنا، فإن النظام في طهران أمام مأزقٍ كبير لا يضاهيه سوى مأزق الحزب في لبنان وإسرائيل في غزّة والضفة، ونقول “مأزق الحزب” لأن الاستنزاف على الشكل الحاصل حالياً مضرٌّ على المدى المتوسط لا البعيد بقدرات الحزب وإمكانياته وخطته، خصوصاً في ظل ضرب قياداته الأمنية والعسكرية …

لكن يجب في الوقت نفسه، ورغم كل ما أوردناه أعلاه، ألا يغيب عن البال أنه في اللعبة السياسية والاستراتيجية اذا انتفت الحاجة الى “حماس” في غّزة (الذراع الإيراني- السنّي) فلا شيء يمنعُ من انتفاء الحاجة أيضاً الى حزب الله (الذراع الإيراني- الشيعي ) مقابل مكاسب تُعطى أو صفقات تُعقد أو … حرب تنهي …

مهما يكن من أمرٍ، فإن إسرائيل وباعتراف الحزب سدّدت ضربةً موجِعة الى “كاحل” الحزب الأضعف والبيئة الأدق والأخطر والموضع الأكثر فتكاً … فهل يكون كعبُ سلاح هذا الحزب كما “كعب الإله الأغريقي أخيل (مصطلحٌ يشير الى نقطة ضعف مميتة على الرغم من كل القوة التي يمتلكها الشخص والتي ان أصيبت تؤدي الى سقوطه بالكامل)، أي سبب موته أو بداية نهايته.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: