"التمديد ممنوع".. الانتخابات النيابية بين التوافق والبلبلة

parl

تعود الانتخابات النيابية لتحتل صدارة المشهد السياسي في لبنان، لا كاستحقاق دستوري يترقبه المواطنون لتجديد شرعيتهم التمثيلية، بل كأزمة جديدة عنوانها النية بالتمديد للمجلس الحالي.

فالانتخابات، التي تُشكّل جوهر الممارسة الديموقراطية وأداة الشعب الوحيدة للمحاسبة والتغيير، باتت مهدّدة بالإرجاء تحت ذرائع تتراوح بين الاعتبارات الأمنية والتعقيدات اللوجستية، غير أن ما يثير القلق هو أن التمديد لم يعد استثناءً في التجربة اللبنانية، بل يكاد يتحوّل إلى قاعدة تُفرغ الدستور من معناه، وتُبقي السلطة نفسها متحكمة بمصير اللبنانيين من دون تجديد أو مساءلة.

وفي ظل فقدان الثقة بين الناس ومؤسسات الدولة، يُطرح السؤال الأكثر إلحاحاً، هل يُراد للتمديد أن يكون ضمانة للاستقرار، أم أنه مجرد محاولة مكشوفة للهروب من إرادة الناخبين وإعادة إنتاج النظام نفسه؟

ووسط هذا الجدل، يلتقي معظم النواب والكتل النيابية على رفض خيار التمديد، معتبرين أنّ أي مسعى لتأجيل الاستحقاق يشكّل مساساً مباشراً بالدستور وبحق اللبنانيين في اختيار ممثليهم. فالتوافق، على اختلاف الانتماءات السياسية، يصبّ في اتجاه واحد، ضرورة احترام المهل الدستورية وإجراء الانتخابات في موعدها، مهما كانت الصعوبات اللوجستية أو التحديات الأمنية، هذا الاصطفاف النادر يعكس إدراكاً عاماً لخطورة تكريس سابقة جديدة في الحياة البرلمانية، ويُعيد التأكيد أنّ شرعية المجلس لا تُستمد إلا من صناديق الاقتراع.

وفي هذا السياق، يؤكد عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب سعيد الأسمر في حديث لموقع LebTalks أنّ "تكتلنا مع مسار بناء الدولة ومع دولة القانون والدستور، وبالتالي لا بد من الالتزام بالاستحقاقات الدستورية في موعدها وإجراء الانتخابات النيابية من دون أي تأخير، ولو ليوم واحد"، لافتاً إلى أنّ "هناك فريقاً مشكّلاً يحاول تأجيل الانتخابات، منهم من ليس لديه أمل بالوصول إلى المجلس في الانتخابات المقبلة، ومنهم من يسعى لتعزيز حضوره وقاعدته السياسية قبل خوض الانتخابات، أما الفريق الثالث فهو "الثنائي الشيعي" الذي لا يريد إجراء الانتخابات قبل الحصول على "ثمن" السياسة تجاه كل التغيرات التي تحصل في البلد وقرارات الحكومة الحاسمة، لذلك يسعى لإجراء تغييرات جذرية تضمن له حقوقه".

ويوضح الأسمر أنّ "تكتلنا ليس بدافع شخصي بأي أحد، ولكننا مع القانون والدستور والدولة، وعلى ما يبدو، هناك محاولة تضليل كبيرة في اللجنة الفرعية حول موضوع تصويت المغتربين، تهدف إلى إغراق اللجنة باقتراحات القوانين والتفاصيل كي لا تتمكن من التركيز على القانون والبت به في الوقت المناسب".

يضيف أنّ "التكتل سيكون في المرصاد ورأس حربة، وسندافع ونقف مع الحكومة بكل ما أوتينا من قوة لتجرى الانتخابات في موعدها، لأن علينا إرسال إشارات إيجابية إلى المجتمع الدولي بأن الدولة تسير نحو الإصلاح بخطى سيادية وثابتة"، مؤكداً أنّ "إجراء الانتخابات في موعدها ضروري لإكمال المسيرة التي أعطت أملاً كبيراً للبنانيين، ولن تستكمل إلا باحترام المهل الدستورية وإنتاج مجلس نيابي جديد وحكومة جديدة لاستكمال عملية بناء الدولة".

أما عضو كتلة "الكتائب" النائب الياس حنكش، فيشدّد على أنّ "وجودنا في السياسة ينبع أساساً من احترام الدستور، ونحن ضد أي تمديد مهما كان شكله أو ذريعته"، لافتاً إلى أن "من أجل انتظام الدولة، يجب أن نفهم أنّ أساس انتظام الحياة هو انتظام البلد بأكمله، والأهم أنّ الانتخابات يجب أن تشمل تصويت المغتربين لـ128 نائباً، وليس الاكتفاء بالستة نواب الذين تم عزل تصويت المغتربين بهم".

من جهته، يؤكد عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم في حديث لموقعنا، أنّ "التزامنا بإجراء الانتخابات في موعدها ينبع من منطق الأمور ومن التزامنا بالدستور، فإعادة إنتاج السلطة تبدأ حتماً بإجراء الانتخابات، ومن ثم مباشرة عمل المجلس النيابي بشكل طبيعي".

بدوره، يؤكّد عضو كتلة "اللقاء الديموقراطي" بلال عبدالله لـLebTalks أنّ "الكتلة تؤكد التزامها بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، كما هو الحال مع أي استحقاق دستوري، وكان موقفنا هذا ثابتاً منذ البداية وسنستمر عليه".

كما أكد النائب وضاح الصادق أن "من الممكن أن يُمدد للمجلس النيابي، لكن التمديد سيخالف المدة الممنوحة لنا كنواب، فقد منحنا المواطنون الوكالة لمدة 4 سنوات، ويحق لهم عند هذا الاستحقاق إعادة حساباتهم بالتصويت، فكيف لي كنائب أن أمدد لنفسي؟"، مشدداً على أن "لا شك أن هناك كتلًا لها مصلحة في التمديد، ونواباً مستقلين أيضاً لأسباب مختلفة، لكن التمديد يمثل مخالفة أخلاقية وقانونية واضحة جداً بحق اللبنانيين، وإساءة للأمانة التي منحنا إياها المواطنون".

ففي ضوء هذا التوافق النيابي النادر، يتبيّن أنّ أي محاولة للتمديد لا تُشكل سوى تجاوز واضح للدستور ولحق اللبنانيين في اختيار ممثليهم، فالرسالة التي يوجهها النواب والكتل اليوم واضحة، احترام المهل الدستورية ليس خياراً، بل واجب دستوري وأخلاقي، وأي تأجيل للانتخابات يُعدّ مساساً مباشراً بشرعية الدولة واستقرارها.

لكن يبقى سؤال يطرح نفسه، إذا كانت كل الكتل موافقة على إجراء الانتخابات في موعدها، فلماذا هذه البلبلة المستمرة في المشهد السياسي؟ وعليه، يبقى الحل الوحيد لإعادة بناء الثقة بالسلطة والمؤسسات هو إجراء الانتخابات في موعدها، بما يضمن توليد مجلس نيابي جديد وحكومة جديدة، قادرين على استكمال مسيرة الإصلاح وحماية مستقبل لبنان الديموقراطي.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: