التنمية الاقتصادية في البقاع: فرص واعدة تحتاج إلى إصلاحات واستثمارات

WhatsApp Image 2025-03-03 at 11.57.19_fe9a334d

كتب داني معلولي: يُعَدُّ البقاع من أبرز المناطق اللبنانية التي تمتلك مقومات اقتصادية واعدة نظرًا لموارده الطبيعية وموقعه الجغرافي الاستراتيجي. وتتميّز المنطقة بأراضيها الزراعية الخصبة وقدراتها الصناعية والسياحية وقربها من طرق التجارة الإقليمية، مما يمنحها إمكانات كبيرة لأن تكون محرّكًا رئيسيًا لتعافي الاقتصاد اللبناني إذا تم استثمارها بالشكل الصحيح.

ومع ذلك، لا تزال منطقة البقاع، لا سيما البقاع الغربي، غير متطورة بالشكل المطلوب بسبب عدم الاستقرار السياسي، وضعف البنية التحتية، والقيود المالية، ممّا يدفع الى الهجرة الريفية التي تقلّل من اليد العاملة في المنطقة.

فمع تشكيل حكومة جديدة وتزايد الاهتمام بدعم الاقتصاد اللبناني، ينبغي على الحكومة التركيز على هذه المنطقة كوجهة رئيسية للاستثمار. غير أن معالجة التحديات الهيكلية تُعَدّ أمرًا أساسيًا لتحقيق تنمية مستدامة.

القطاع الزراعي: الركيزة الأساسية لاقتصاد البقاع

يُشكّلُ القطاع الزراعي العمود الفقري لاقتصاد البقاع الغربي، حيث يعمل أكثر من 65% من السكان في الأنشطة الزراعية. وتُعَدُّ المنطقة من أبرز المنتجين للعنب، والبطاطا، ومنتجات الألبان، مما يساهم بشكل كبير في قطاع الزراعة الذي تقدر قيمته بحوالي 1.6 مليار دولار بحسب بعض الدراسات. ومع ذلك، يواجه المزارعون تحديات عديدة، أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة الوصول إلى التمويل ونقص أنظمة الري الحديثة، بالإضافة إلى القيود المفروضة على التصدير نتيجة التقلبات الجيوسياسية. وقد انخفضت الصادرات الزراعية اللبنانية بنسبة تقارب 30% بين عامي 2019 و2023، مما زاد من حدة الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية، الأمر الذي جعل شراء المستلزمات الزراعية مثل الأسمدة والمبيدات مكلفًا للغاية.

ومن الحلول الممكنة لمعالجة هذه التحديات توسيع برامج التمويل للمزارعين، وتسهيل الحصول على قروض ميسّرة، وتشجيع استخدام التكنولوجيا الحديثة وتقنيات الرّي المتطورة لتحسين الإنتاج وزيادة الكفاءة في القطاع الزراعي.

القطاع السياحي: فرص واعدة وتحديات قائمة

يُعتَبرُ القطاع السياحي من القطاعات الواعدة في البقاع، حيث تتمتّع المنطقة بمواقع تراثية غنية، بالإضافة إلى مقوّمات السياحة البيئية، وسياحة النبيذ المزدهرة، التي تجذب آلاف الزوار سنويًا.

إلا أن ضعف البنية التحتية، وسوء شبكة الطرقات، وقلة الاستثمارات في قطاع الضيافة، تشكّل عوائق أمام نمو هذا القطاع. لذا، يمكن أن يساهم تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص (Public Private Partnerships) في تطوير الفنادق والمنتجعات البيئية، وتنظيم المهرجانات الثقافية، مما قد يساعد في خلق فرص عمل جديدة وزيادة الإيرادات المحلية.

القطاع الصناعي: إمكانات كبيرة تحتاج إلى تطوير

تُساهم المناطق الصناعية في البقاع بأكثر من 10% من إجمالي الإنتاج الصناعي في لبنان بحسب بعض الدراسات، ويتمتع هذا القطاع بإمكانات كبيرة، لكنه لا يزال يواجه تحديات عديدة، منها ضعف البنية التحتية وارتفاع تكاليف الطاقة وصعوبة الوصول إلى التمويل.

وتضم المنطقة العديد من المصانع الزراعية ومعامل إنتاج الألبان والأغذية والمنسوجات، ومواد البناء. ومع ذلك، فإن نقص الكهرباء، وضعف كفاءة شبكات النقل، يعيقان نمو القطاع الصناعي على نطاق واسع.

لذلك، فإن تعزيز المناطق الصناعية، والاستثمار في حلول الطاقة المتجدّدة، وتقديم حوافز ضريبية للصناعيين، وتشجيع الاستثمارات، كلها عوامل يمكن أن تساهم في زيادة الإنتاج وخلق فرص عمل جديدة، مما يجعل البقاع مركزًا صناعيًا تنافسيًا ضمن الاقتصاد اللبناني. لذا، ينبغي على الحكومة إعادة النظر في قوانين تقسيم وتوسيع المناطق الصناعية بما يضمن تحقيق أقصى استفادة ممكنة.

التحديات المالية والحاجة إلى سيولة استثمارية

يُعَدُّ نقص السيولة والدعم المالي من أبرز التحديات التي تعوق التنمية الاقتصادية في البقاع، وتحديدًا البقاع الغربي. فبسبب الأزمة المصرفية اللبنانية، تواجه أكثر من 80% من الشركات الصغيرة والمتوسطة صعوبات كبيرة في الوصول إلى التمويل، مما يحدّ من قدرتها على التطور والتوسع.

فمن الحلول المقترحة أن تساهم صناديق التنمية الدولية، والمؤسسات المالية التنموية، واستثمارات القطاع الخاص في توفير السيولة المالية اللأزمة لدعم الاقتصاد في البقاع. على سبيل المثال، يمكن للمؤسسات الدولية، مثل البنك الأوروبي للاستثمار (EIB) والبنك الدولي (World Bank) تمويل مشاريع البنية التحتية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز القطاع الزراعي، مما قد يساعد في تحفيز النمو الاقتصادي.

نحو اقتصاد مزدهر في البقاع

على الرغم من أن البقاع يمتلك أسسًا اقتصادية قوية، فإن معالجة العوائق الهيكلية، والمالية، والتنظيمية تُعدّ أمرًا ضروريًا لتحقيق إمكاناته الكاملة. فستساعد الاستثمارات المدروسة، والإصلاحات السياسية، وتطوير البنية التحتية، الى تحوّل المنطقة إلى مركز زراعي، صناعي، وسياحي مزدهر، مما سيساهم في تعزيز التعافي الاقتصادي للبنان.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: