Search
Close this search box.

الحربُ المحتملةُ على لبنان …بين تداعيات “طوفان الأقصى” وعبثية “طوفان صواريخ” الحزب

swarikh

اذا كانت عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول 2023 قد شكّلت مفاجأة للرأي العام الإقليمي والدولي ولحكومات العالم، فإن “طوفان” صواريخ حزب الله في جنوب لبنان وما يمكن أن يتبعه من حربٍ واسعة النطاق لن يشكّل بالتأكيد مفاجأة هذه المرة، ذلك أن أي حرب بين حزب الله وإسرائيل قد تمَّ إعدادها مسبقاً وحشد ما يلزم من رأي عام وسلاح وعتاد ليأتي التصعيد والتفجير الواسع النطاق في سياق سيناريوهات إقليمية تحاكي المعادلات الدولية المستجدّة غداة “طوفان الأقصى”.

عملية “طوفان الأقصى” أنهت “حماس” عسكرياً!

في حسابٍ بسيطٍ نقول إن معادلة “طوفان الأقصى” أنهت حركة “حماس” العسكرية في قطاع غزّة، الأمر الذي استجاب لمتطلّبات معادلات إقليمية لا تريد إعطاء إيران أي رصيدٍ من خلال دعم وكلائها ومنهم حماس، فضلاً عن عدم الرغبة أصلاً في الاستمرار بمنطق “خشبي” بالمقاومة العبثية غير المنتِجة سوى للموت والدمار والقضاء على القضية الفلسطينية، وخيرُ دليلٍ أخيرٍ على ذلك إتهام “حركة فتح” حماس الأمس بإفشالها كل الحوارات تأكيداً على استحالة انتصار حركةٍ ليس فقط لا تتمتّع بغطاءٍ ودعمٍ عربيٍ خليجي إسلامي، بل وحتى ليست موضع إجماع في الداخل الفلسطيني حتى الساعة رغم النكبات المتلاحقة والدمار والقتل والإبادة الإسرائيلية للغزاويين، فهل معادلة “طوفان الصواريخ” لدى حزب الله في حال اندلعت المواجهة المفتوحة بين الحزب وإسرائيل ستُنهي حزب الله؟!

تهديد الحزب لقبرص هو تهديد غير مباشر لحلفائها الغربيين

الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله هدّدَ بحربٍ من دون سقوفٍ ولا ضوابط في حال مهاجمة إسرائيل لبنان لضربه، ما يعني بالمنطق العسكري والعقل الاستراتيجي أن الحزب في هذه الحالة لن يعود له شيء ليخسره لاسيما عندما يُصبحُ وجوده في ميزان البقاء أو الزوال، بما يعني أن لجوء حزب الله الى لعب كل أوراقه العسكرية هو تمهيدٌ لإفلاسه إن خسر.

فالحزب في تلك المعادلة سيكون محكوماً في حال ذهبً الى الآخِر بمواجهة، ليس فقط إسرائيل بل وأيضاً حلف الأطلسي وأوروبا، الأمر الذي سيُثقلُ كاهله كثيراً ولن يبقي له أي أمل بالانتصار اللهم سوى الانتصار الوهمي اللفظي، من هنا فإن تهديد نصرالله الأخير لقبرص لم يكن في الواقع تهديداً لقبرص وحدها بل كان رسالة تهديدٍ واضحةٍ لحلفاء قبرص الذين يعرفهم السيد حسن جيداً، فالجزيرة القبرصية تحتضنُ قواعد عسكرية أميركية وبريطانية، ما يعني أن أي توريط لقبرص في المواجهة من قبل الحزب إن حصل سيعني اندلاع مواجهة دولية تتورّط فيها القوى العظمى، وهذا ما يخدمُ بالتحديد حزب الله كما يخدم إيران كثيراً.

من هنا، فإن تهديد نصرالله وحصول تورّط دولي في الحرب المقبلة على لبنان سيورط بطبيعة الحال الإيرانيين كون السيد حسن أعطى المواجهة طابعها الدولي وليس فقط الإقليمي، وبالتالي فإن دور الحرس الثوري في المرحلة المقبلة سيكون مفصلياً على المستويَين الإقليمي والدولي، ما سيعني بالمبدأ جرَّ إيران الى الدخول في المواجهة الدولية من جبهات إقليمية عدة.

طهران وهاجسُ عودة ترامب الى البيت الأبيض

 نقول في المبدأ لأن النظام الإيراني في هذه المرحلة يقيسُ جيداً تحركاته واستراتيجياته وحتى تكتيكاته الإقليمية والدولية، وهو قرأ جيداً على ما يبدو الانعطافة الروسية باتجاه الصين وكوريا الشمالية، كما قرأ جيداً موازين القوى في غزة وموازين القوى في المنطقة مع عودة الحشد الضخم لأساطيل الولايات المتحدة وحلف الأطلسي، إضافةً الى قراءته حاجة الغرب اليه لمهمات أخرى مستقبلية في شرق آسيا وجنوبها، ولذا فإن هذا النظام لا يمكنه الانتحار، وهو الساعي دائماً الى تقديم بقائه واستمراريته على طبقٍ من التضحية بوكلائه للغرب وتحديداً للأميركيين.

وفي هذا الاطار، تعيش طهران هاجس عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض في تشرين الثاني المقبل، ولذا فهي تستعجلُ إبرام اتفاقاتٍ مع الديمقراطيين لكن من دون استبعاد أن يتمَّ إلغاؤها كلها مع وصول الحزب الجمهوري الى المكتب البيضاوي، لذلك فإن طهران ليست في وارد إضعاف ذاتها بمواجهات عسكرية كي تحتفظ بعناصر قوتها لمواجهة الأخطار المقبلة المحدِقة بها من البيت الأبيض الجمهوري، بحيث لا تستطيعُ خوضَ حربٍ إقليميةٍ دوليةٍ وفي نفس الوقت الاستعداد لمواجهة سياسات ترامب المقبلة بعد أشهر معدودة.

تهديدٌ ورهانٌ على ضرب “الهلال الشيعي” في المنطقة!

وفقاً لكل هذه التقديرات، فإن الحرب في لبنان إذا حصلت ستبدأ ثنائية بين حزب الله وإسرائيل لكن سرعان ما قد تتحوّل الى إقليمية ودولية لأنه، في مكانٍ ما، حزب الله يناسبه توريط إيران معه كي يضمن عدم “بيعه” للغرب كما بيعت “حماس” في اليوم التالي لانطلاق “طوفان الأقصى”، وعندها ستكون ساعة الحقيقة للنظام الإيراني قد دنت وعليه الاختيار بين معادلتين: التدخّلُ لدعم حزبه درةُ تاجه أو المساومة عليه؟

حزب الله متوترٌ حالياً وارتفاع وتصعيد لهجة المواقف والخطابات وأدبيات الحزب الكلامية والإعلامية والإعلانية والدعائية خير دليل على ذلك، وهذا أمر طبيعي وليس تحليلاً، فالتهديد الإسرائيلي ليس إسرائيلياً فقط بقدر ما هو أطلسي والرهان سيكون على ضرب “الهلال الشيعي” في المنطقة من لبنان الى سوريا وصولاً الى العراق ومروراً باليمن .

الحرب التي أرادها حزب الله حربَ إلهاء وإسناد لغزّة لم تصل الى نتيجة، وقد باتت غزّة كلها هيكلاً عظمياًَ يسيطرُ عليه الإسرائيلي حتى عمق رفح، فتحوّلت تلك الحرب المضبوطة نوعاً ما وحتى الآن الى حرب فعلية على لبنان.

فدخولُ أقوى وكيل إيراني في المنطقة بمواجهة مع إسرائيل ومَن وراءها يعني بدايةَ نهايةِ حقبةِ “التغوّل” الإيراني في الإقليم وهو يؤسسُ لمرحلةٍ جديدةٍ تعود فيها إيران الى كيانية “دولتية عادية  مكودرة” كباقي دول المنطقة والعالم من دون ثروة وتصدير ثورة في مقابل الثمن الكبير: بقاء النظام الإيراني كحاجةٍ للغرب والأميركيين تحديداً بشرط الطاعة.

أما في حال نشوب المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، فسوف تشتعلُ سوريا أيضاً والعراق واليمن، وبالتالي فإن هلال إيران والحرس الثوري سيكون تحت النار والتهديد وخطر التفكّك والزوال، ما يعني “أرماغدون” إقليمي- دولي سيقلبُ المقاييس والمعطيات ويعيد خلط الأوراق بين القوى العظمى ومن ضمنها الصين وروسيا، علماً أن الصين لا تنظر بارتياحٍ الى التقارب الروسي- الكوري الشمالي الأخير والاتفاقيات التي عقدها الرئيس الروسي مع نظيره الكوري الشمالي لأن لبيجين حسابات دولية أخرى لا تتوافقُ مع روحية هذا التقارب “على السخن”، ولا سيما تورّط بيونغ يانغ مع موسكو في حربها على أوكرانيا أو في سائر الملفات الإقليمية والدولية الساخنة حالياً.

وفي حين نجدُ إيران مستهدفةً من الغرب، نجدُ أيضاً الصين مستهدفةً من روسيا وكوريا الشمالية، علماً أن إيران لم تكن على قدر آمال الصينيين في التزاماتها الإقليمية ولا سيما في تنفيذ “اتفاقية بيجين” بينها وبين المملكة العربية السعودية والتي بقي منها فقط تنظيم الخلاف ديبلوماسياً.

أما في العراق، فرئيس الوزراء شياع السوداني لن يستطيع توطيد علاقاته مع الإيرانيين لأن بلاده ستبقى في المرمى الأميركي، ما قد يؤدي الى قيام الحرس الثوري الإيراني بمهاجمة العراق ومحاولة احتلاله عند اندثار الأوراق الإيرانية واحدةً بعد الأخرى، وفي هذا السياق جاء توقيت تصنيف أوروبا الحرس الثوري الإيراني منظمةً إرهابية ليوصل الرسالة التي تستبقُ العاصفة.

الحرب على لبنان إن حصلت ستكون بدايةً لمرحلةٍ إقليمية ودولية في المنطقة، لكن بأثمان مكلفة جداً.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: