الحرب الأهلية.. بضاعة مُنتهية الصلاحية

war lebanon

لأنهم يَعرفون أنَّ اللبنانيين يَتَوجَّسُون مِن مشاهد الحرب الاهلية والتي لَم يَتِم تَضْميد جراحها، وَلَو سَكَت المدفع حينها، فالالم لا يزال محفوراً، والعنفوان عند البعض يتأجَّج، ومشاعر الظلم والحقد والثأر والنصر والهزيمة تتدافع بين اللبنانيين، كلٌ وِفق موقعه والشريحة المُجتمعية التي وُجِد فيها، والمنطقة التي حَمَلت لَوْناً وعنواناً محدداً.

لأنهم يَعرفون أن تاريخ هذا الوطن، لبنان بكل حقبات تاريخه الحديث والمعاصر، حافلٌ بالصراعات والاقتتال الداخلي، المُطَعَّم بتدخلات خارجية، ظاهرة أحياناً كثيرة، سياسياً وعسكرياً، لهذا نَراهم، بعض الداخل وبعض الخارج، يُحذِّرون مِن انزلاق لبنان نحو حرب أهلية، مع ما يَحمل تحذريهم مِن تهديد أحياناً، أو جَزْماً بحصولها.

إنما الحرب الاهلية لن تعود، ليس بقرار وطني جامع، للاسف، بل بفعل معطيات عديدة، مِنها داخلية ومِنها خارجية، أبرزها:

– لا قرار دولياً أو إقليمياً بتشريع الاقتتال الداخلي بين اللبنانيين، لأن مِن شأن ذلك خلق حالة فوضى قد تمتد الى الجوار، أو أن تكون بحدود توسُّعية مُشَرعة وغير مضبوطة، وهذا ما لا تقبل دول الجوار والمنطقة والإقليم، وربما دولياً، حتى الساعة.

– المُعطيات الميدانية الداخلية لا تَسْتوفي شروط “شرارة” حرب أهلية، فلا افرقاء يتبارزون تسلحاً، ولا السلاح المتوافر عندهم (المسموح استعماله) يَدفع باتجاه حرب أهلية، بل سقفه بعض التجاوزات الإجرامية، والتي تبقى مرفوضة مِن الجميع ومُدانة، ويَتِم ملاحقتها، وفق توفر شروط وعضلات ما تبقى مِن أجهزة الدولة.

-جهوزية الجيش اللبناني ومعه الاجهزة الامنية، ولو أنه يَتعرض لِحملات مستمرة للتقويض مِن عزيمته أو معنوياته، إنما -واقعياً وفعلياً وخُبُراتياً- هو جاهز للتصدي (وقد تَصدّى) لكل محاولات جَرّ البلاد الى حرب، ولديه مِن المعطيات الاستخباراتية الكافية لاستباق اي عملية، خصوصاً وان القرار السياسي هو في هذا الاتجاه، أي منحه مطلق الصلاحيات في هذا الخصوص.

– قرار داخلي لعدة أطراف أساسية، بعدم السماح بالانجرار نحو حرب أهلية، فيما هي نفس القوى تتخاصم في الكثير مِن الامور إلا أنها تتفق على هذا الامر، شبه الوحيد. ففي حين أن صفوف المعارضة بغالبيتها الكاملة، وفي مقدمتها “القوات اللبنانية”، ضد السماح بالانزلاق نحو الحرب، نجد أيضاً وفي صفوف السلطة العديد مِمَن يرفضون الإنجرار، كلٌ لسببٍ معين، ومنهم “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، وحتى “حركة أمل”.

إذا، ما الغاية مِن التهويل بحرب أهلية قد تُشعل لبنان، فيما ظروفها ومقوماتها وشروطها غير متوفرة؟

هي حاجة بعض الاطراف، منهم محليون كـ”الحزب” الذي حمل شعار “إزالة إسرائيل مِن الوجود” وبعض المُرتبطين به عسكرياً وسياسياً، ومنهم دوليون كفرنسا اللاهثة خَلْف حصص اقتصادية ونفطية ولو على أنقاض البلد او دماء اللبنانيين. إذا، هي حجة المُنكسر والعاجِز عن فرض شروطه، بأن يَرمي “خبريات” الحرب الاهلية، تماماً كالحملات التي تنطلق بين الحين والآخر لاتهام فلان وغيره بالعمالة او “التَصَهْيُن” والتخوين وهدر الدم، وغيرها مِن اتهامات المُفلس سياسياً والمُحاول طَمْس حقيقته، على غرار المقولة الشعبية “”شِيلي اللي فيكي وحطّيه فيّي”!

الحرب الأهلية، باختصار، بضاعة منتهية الصلاحية، فارْمُوها.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: