كتب أنطوان سلمون:
لقد زخرت اطلالة نعيم قاسم الأخيرة المسجلة الممنتجة كسابقاتها التي تلت غياب سلفه السيد نصرالله، بتعبيرات وتعابير تمظهرت معها حالات نفسية غير سوية من الانقطاع عن الواقع والوقائع مواكبة للتطورات والتحديثات، ومن الإنكار والنكران، والسقوط تحت الأوهام وإسقاط مسؤولية الحزب وارتكاباته واخفاقاته على الخصوم والمفترضين منافسين، لكن شرعيين، لدوره غير الشرعي في العسكر والأمن والسياسة.
لم يكن لافتاً ولا خارجاً عن مألوف خطابات وارتكابات الحزب، توجيه الامين العام للحزب نعيم قاسم سهامه الى الجيش اللبناني الشرعي مستغلاً مستثمراً مسقطاً إخفاق الحزب في حماية “مسؤوله” او “عميله” او “المتعامل معه” عماد أمهز من الخطف من مكان سكنه في البترون على يد العدو الاسرائيلي، إذ قال: “أن يدخل الإسرائيلي بهذه الطريقة، هذا أمر فيها اساءة كبيرة للبنان وإنتهاك لسيادته وعلامات استفهام كثيرة، أطالب الجيش اللبناني المعني بأن يحمي الحدود البحرية أن يصدر موقفاً وبياناً يبين لماذا حصل هذا الخرق، حتى ولو قال أنه لم يكن قادراً أو كان عاجزاً، فليقل ذلك أمام العالم ما هو السبب وأيضاً، فليسأل اليونيفيل وخاصة الألمان ما الذي راؤه في تلك الليلة وما الذي فعلوه وليلطلع الناس على ذلك، أنا لن أتحدث أكثر من ذلك، بل أطالب الجيش أن يعلن موقفه وطبيعة الحدث وأيضا ما هو دور اليونيفيل حتى يطلع الناس”.
كما لم يكن لافتاً ولا خارجاً عن المألوف عدم تحمله لمسؤولية عجزه في حالات خطف واستهدافات مشابهة لمسؤولي الحزب في اماكن عدة من داخل معقله نذكر أبرزها المكشوف عنها:
في 28 تموز 1989، اختطف “الموساد”، القيادي في “حزب الله” الشيخ عبد الكريم عبيد من منزله في بلدة جبشيت في جنوب لبنان، عبر إنزال نفَّذته مروحيتان إسرائيليتان حطَّتا في البلدة، وأنزلتا مجموعة جنود من وحدة النخبة في لواء المظليين الإسرائيلي ولواء غيفعاتي لاعتقاله. واقتحم عناصر “الكوماندوز” الإسرائيلي منزله، واختُطف عبيد مع اثنين من مرافقيه المدنيين، وهما أحمد عبيد وهشام فحص، وأيضاً من دون حماية او مقاومة او اعتراض للقوة المهاجمة الخاطفة.
في 21 أيار 1994 إنزال جوي نفَّذته مجموعة “كوماندوز” إسرائيلية في بلدة قصرنبا في البقاع بشرق لبنان، وخطفت وحدة من جنود النخبة المسؤول في “حزب الله” مصطفى الديراني من بلدته، بهدف الحصول على معلومات عن الطيار الإسرائيلي رون أراد، وطبعاً لم يتحرّك الحزب دفاعاً وحماية واعتراضاً على خطف مسؤوله من عقر داره يومها.
منتصف ليل 3- 4 كانون الاول 2013، اغتيل المسؤول الأمني العسكري في حزب الله حسان اللقيس امام منزله في منطقة الحدث حين قامت مجموعة من المسلحين المتسللين باطلاق النار عليه من مسافة قريبة بكواتم للصوت من دون اي مقاومة او اعتراض او حماية من الحزب.
في 9 نيسان 2024 العثور على الصرّاف محمد ابراهيم سرور المدرج على لوائح العقوبات الاميركية والمتهم من الاسرائيليين أيضاً بتسهيل نقل الأموال من إيران الى الحزب وحركة حماس، مقتولاً في منطقة بيت مري وفي التفاصيل أن سرور استدرج من فرقة “اعدام” اسرائيلية تابعة للموساد استأجرت الشقة حيث حققت معه وعذّبته وقتلته في بيت مري ولم يدرِ الحزب ولم يحمِ ولم يقاوم ولم يعترض صولات وجولات فريق الموساد بملاحقته وتتبعه لسرور داخل الاراضي اللبنانية من الضاحية وصولاً الى بيت مري.
ان ما تبيّن من عجز واخفاقات تضاف اليها الخروقات والاستهدافات العميقة الكبيرة والتي طالت الحزب من اصغر عنصر الى أعلى هيئة فيه وصولاً الى رأس هرمه، يظهر بما لا يقبل اي شك نية الحزب الدائمة المستدامة والثابتة بضرب المؤسسة والوسيلة الوحيدة الموثوقة من اللبنانيين المولجة خاصة في المرحلة القادمة بحفظ الأمن والحدود وتطبيق القرارات الدولية من 1559 و1680 و1701 والموافق عليه من الرئيس بري مفوضاً من حزب الله.
لقد عبّر الحزب في محطات كثيرة عن حقيقة موقفه من الجيش اللبناني الشرعي وتشكيكه بدوره الحامي للحدود اذ يقول نصرالله في في 16 شباط من العام 2002، ان “إرسال الجيش اللبناني الى الجنوب، مطلباً أميركياً، من يريد أن يحمي لبنان عليه أن يحفظ المقاومة في الجنوب، ومن يريد ان يضحي بهذا الجيش فليرسله إلى الجنوب”، ليقول بعد موافقته على القرار 1701 وتحديداً في 9 آب 2006: “نحن في السابق كنا نعترض أو لا نوافق على نشر الجيش على الحدود، ليس شكاً في الجيش لا سمح الله، لأن هذا الجيش هو جيش وطني، ومنذ سنوات طويلة نحن نمتدحه ونمتدح عقيدته وقيادته وتركيبته، انتشار الجيش يساعد على إيجاد مخرج سياسي يؤدي إلى وقف العدوان، وهذا بالنسبة لنا وفي رأينا هو مخرج وطني مشرّف، لأن الذي سينتشر على الحدود هو الجيش الوطني وليست قوات غازية ولا قوات مرتزقة ولا قوات تعمل بإمرة الأعداء، وإنما الجيش الوطني الذي يعمل بإمرة الحكومة اللبنانية المنتخبة، بهذا المعنى، كمخرج، نحن نقبل به”.
ومع ذلك وعند قيام النقيب الطيار سامر حنا في “الجيش الوطني” في 28 آب 2008 بالتحليق بطوافته فوق تلة سجد الجنوبية منطقة انتشار وعمليات ونفوذ الجيش اطلق الحزب النار عليها مردياً النقيب تحت ادانة حليف الحزب ولسان حاله القائد السابق للجيش العماد ميشال عون يومها: “شو طلعت تعمل طوافة الجيش فوق تلة سجد وأطالب بالتحقيق مع قيادة الجيش”.
هذا التحقيق نفسه الذي طالب به نعيم قاسم في خطابه الأخير مع قيادة الجيش مشككاً مخوناً معتمداً نهج الحزب الذي عبّر عنه الشيخ المقرب صادق النابلسي في 14 أيار 2024 بقوله: “الجيش ليس للبنانيين ولم يؤسس للدفاع عن لبنان بل ليدافع عن مصالح المستعمرين”.
اللافت في كلمة قاسم “الإنكارية” الأخيرة ورود عبارة “أطالب الجيش اللبناني المعني بأن يحمي الحدود البحرية” والتي يصنفها علم النفس التحليلي بزلة اللسان او Lapsus والتي عبّرت عن حقيقة ما يعرفه قاسم وحزبه وما كان قد عبّر عنه نصرالله في 2006 ويحاول المحور ان يخفيه ويموهه وما هو مؤكد وراسخ في وعي ولا وعي وايمان اللبنانيين بشرعية جيشهم ودوره الحامي للوطن بحدوده البحرية والبرية دون غيره من اللاشرعيات ذات الأدوار التي وثق اخفاقاتها في الحماية والردع والدفاع، اللبنانيون تبعاً للتجارب السابقة والحالية على ما أوردنا آنفاً والمتوقعة مستقبلاً.