الحزب المغامِر.. والتاجر الشامي

Hezb flag amidst destruction

كتب جاد حاوي:

في كتب التاريخ، يُحكى عن تاجر من بلاد الشام ذهب إلى الأندلس ليبيع سِلَعه. طاف البلاد كلها، وباع كل ما كان يملك، لكنه تكبَّد الكثير من التكاليف في التنقل والعودة إلى دمشق. انتهى حال الرجل، حسب كتاب “التجارة والتجّار في زمن الأندلس”، منهكاً صريع المرض. وحين سأله أحد أقربائه عن جدوى تجارته، أجابه التاجر: “كسبتُ المغامرة وخسرتُ كل شيء آخر”.

يُشبه “حزب الله” ذلك التاجر الشامي الذي خرج من الحرب مع إسرائيل مهزوماً، لكنه كسب المغامرة. خسر الحزب قائده التاريخي ومعظم كوادره العسكرية العليا، بالإضافة إلى آلاف المقاتلين في الجنوب والبقاع وبيروت وأماكن أخرى. لم يحصد الحزب إلا المغامرة؛ مغامرة قتال إسرائيل التي لم تجلب له نفعاً ولم تنفع لبنان كذلك.

طوال العام الماضي، تراجعت مطالب الحزب وأهدافه بشكل دراماتيكي كلما اشتدت وطأة الحرب. في البداية، كان يعلن إسناده لغزة، لكنه اكتشف سريعاً أنه هو نفسه بحاجة إلى إسناد. ثم بدأ يفاخر بمنعه التقدُّم الإسرائيلي البري، ليكتشف أن الجيش الإسرائيلي قد دخل إلى معظم القرى الحدودية الجنوبية. من هناك، شهدت مطالب وأهداف الحزب تراجعاً متسارعاً، لينتهي الأمر بموافقته السريعة على المقترح الأميركي للتسوية، وهي تسوية لا تبدو في صالح الحزب إطلاقاً.

أن توافق على وقف إطلاق النار شيء، لكن أن توافق على شروط الاتفاق شيء آخر تماماً. أن تتراجع إلى ما وراء نهر الليطاني، وتلقي سلاحك الثقيل وتسلمه للجيش اللبناني، هي علامات على هزيمة مذلة للحزب. الذل الأكبر تمثل في القبول بالولايات المتحدة كرئيسة لجنة معنية بالإشراف على إعادة تسليح الحزب ومراقبة الحدود اللبنانية البرية والجوية والبحرية. أميركا، التي كانت توصف بـ”الشيطان الأكبر” و”أم الإمبريالية والاستكبار العالمي”، كما كان حسن نصر الله يردد دائماً، أصبحت في عهد الأمين العام الجديد للحزب، نعيم قاسم، الضامن لوقف إطلاق النار وشبكة الإنقاذ التي تمنح الحزب فرصة لتجنب الانهيار الكامل.

لو أن الحزب طبق القرار الدولي 1701، لكان قد وفر على اللبنانيين عموماً، وعلى نفسه خصوصاً، كل هذا الدمار والحرب والهزيمة. كانت “حرب تموز” عام 2006 هزيمة “مشرفة” للحزب، لكن حرب عام 2024 هي هزيمة نكراء له. خسر “حزب الله” كل ما بناه على مدار العقود الماضية، وكسب المغامرة.. كما الخراب والدمار للبنان وأبنائه.

مبارك ما صنعت يداك يا “حزب الله”، وهنيئاً لك الهزيمة!

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: