لم يكن تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الشرق الأوسط تفصيلاً عابراً في لحظة إقليمية فائقة الحساسية، بل جاء أشبه بإشارة سياسية كثيفة الدلالات، تقرأ بين سطورها أكثر مما يظهر في نصها الظاهر.
فحين يقول إن هناك دولاً ترغب في التدخل للتعامل مع حماس وكذلك حزب الله في لبنان، قبل أن يستدرك بأنه ليس من الضروري القيام بذلك الآن، فهو لا ينفي خيار التدخل العسكري بقدر ما يؤجله، ولا يخرجه من المعادلة، بل يضعه في خانة الاحتياط الاستراتيجي المفتوح على كل الاحتمالات.
وفق مصادر ديبلوماسية تحدثت لموقع LebTalks، فإن هذا النوع من التصريحات لا يصاغ ارتجالاً، بل يأتي ضمن هندسة سياسية دقيقة تهدف إلى إدارة التوازنات لا إلى كسرها دفعة واحدة، فواشنطن، بحسب هذه المصادر، تريد الإبقاء على منسوب عالٍ من الردع النفسي والسياسي، من دون الانزلاق في هذه المرحلة إلى تورط عسكري مباشر قد يفتح أبواباً إقليمية يصعب إغلاقها لاحقاً.
ترامب، بخبرته في استخدام الغموض كأداة قوة، يوجه رسالة تحذير إلى خصوم الولايات المتحدة وإسرائيل بأن خيار التدخل الدولي ليس مستبعداً، بالتالي هنا يصبح التعبير ليس ضرورياً الآن أكثر خطورة من إعلان التدخل نفسه، لأنه يترك المنطقة معلقة على حافة قرار مؤجل لا ملغى.
وتشير المصادر نفسها إلى أن المقاربة الأميركية الراهنة تقوم على الانتقال من منطق الحروب المباشرة إلى نموذج أكثر تعقيداً في إدارة الصراعات، يقوم على تفوق استخباري ودعم عسكري غير مباشر، مع إبقاء خيار القوة الصلبة في الخلفية كملاذ أخير.
وعلى الأرجح، لن يكون التدخل العسكري الأجنبي عبر حملة واسعة النطاق أو تحالف تقليدي، بل من خلال سيناريوهات أكثر هدوءاً وأشد تأثيراً، قد تشمل ضربات نوعية محدودة، مشاركة استخباراتية أعمق، أو تفويض غير معلن لدول ترغب في التدخل، كما قال ترامب، أي دول جاهزة للعب دور مساند إذا تجاوزت التطورات الميدانية الخطوط المرسومة.
وتخلص المصادر في ختام حديثها لموقعنا بالقول: كلام ترامب لا يغلق باب التدخل العسكري الأجنبي إلى جانب إسرائيل، بل يضعه في وضعية الانتظار المشروط، بانتظار تطور ميداني كبير، أو تحول دراماتيكي، أو خطأ استراتيجي يتيح لواشنطن وحلفائها القول إن الضرورة التي لم تكن قائمة قد أصبحت واقعاً لا يمكن تجاهله.
ويبقى السؤال المطروح: هل يكفي التلويح بالتدخل لفرض الوقائع، أم أن ساعة القرار العسكري لم تدق بعد؟