“الحزب” بعد التشييع كما قبله: “الأصل بما حصل”

87fa0682-792b-4c2f-8d82-1a1acbb567e6

كتب أنطوان سلمون : “لا تقلْ أصلي وفَصلي أبداً إنما أصلُ الفَتى ما قد حَصَلْ”

نقف أمام بيت الشعر هذا عشيّة تشييع أمينَين عامين للحزب قضيا نحبهما تحت أطنان من متفجّرات عدوهما، من ضمن سلسلة استهدافات واغتيالات، قضت على “أعمدة أساس” في تركيبة الحزب التي لطالما تفاخر قياديوه بحديديتها وصعوبة  خرقها أو إضعافها  واستحالة الإجهاز عليها برمّتها…

وفي هذا، يستوقفنا ما قاله السيد الراحل حسن نصرالله في 22 نيسان 2019: “أنا لم أقل في يوم من الأيام في أي جلسة داخلية، إنه إذا حصلت الحرب، أنا لن أكون بينكم، أنا لا أعلم الغيب، لا أدري إذا كنت سأكون بينكم. فلنمزح قليلا، بالعكس إذا ذهبنا إلى المتنبئين والمتوقّعين، لأن هناك أناساً حزنوا عندما نُقِل لهم هذا الكلام، في المقابل على نفس القاعدة، أن هناك بعض المتنبئين والمتوقّعين يقولون لا، أنا قصتي طويلة وسأبقى معكم، هذا طبعاً بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وأنه ليست إسرائيل التي تقتلني، إن شاء الله، أنا أكون من الجيل الذي يدخلون إلى فلسطين ويصلون في بيت المقدس وإلى آخره… هناك هكذا نبوءات اكتبوها، هذه نبوءات وهذه نبوءات”.

كلا، أنا لم أقل شيئاً من هذا، ولم أقل أبداً في لحظة من اللحظات أن الصف الأول سيُقتلون والصف الثاني سيُقتلون – ماذا فعل هذا مذبحة!! كارثة!! – الصف الأول سيُقتلون والصف الثاني سيُقتلون وعلى الصف الثالث أن يتحمّل مسؤولية. أنا أنصح الصحيفة أن تكلّف كاتب هذا المقال، الذي لا أعرفه، وتصنع منه كاتب سيناريو لفيلم سينمائي خيالي. هذا كلام فارغ ليس له أي أساس من الصحة”.

 الأحداث لاحقاً أتت صادمةً قاصمةً للحزب وظهرانيته في إيران وسوريا والعراق واليمن وغزة ولبنان مصدّقة على أكثر مما ورد في مقال الصحيفة الكويتية التي نقلت عن السيد نصرالله.

في الترويج للتشييع ولهيبته وعظمته كأنه منعطف وخط يقطع بين ما قبله وما بعده، عاد المروّجون الى النبش من أطلال الحزب وردمياته لعلّهم يرأبون ما تصدّع ويحيون رميمَ عظامِ من دُفن موقتاً كوديعة.

بالإضافة الى مئات الآلاف من أبناء بيئة المنتظَر حضورهم التشييع عمدَ الحزب الى إرسال دعوات سياسية للأحزاب والقوى المسيحية والسنّية والدرزية، وقد عبّر الشيخ صادق النابلسي عن هدف الدعوات تلك بقوله: “نبحث في كيفية إظهار الوحدة الوطنية” في حين أن النابلسي نفسه وفي نفس الإطلالة كسر تلك الوحدة وكشف زيف بحثه بقوله: مَن لا يحضر تشييع نصرالله يخسر شرفاً عظيماً ويبتعد عن الشرفاء”.. وجاراه في تقوقعه وتمييزه وتخوينه لثلثي الشعب اللبناني وحتى لأبناء بيئة الحزب، نجل السيد حسن نصرالله محمد مهدي نصرالله بقوله: “لمَن يتوجه إلى التشييع أقول لكم أنتم أهل الوفاء، أما مَن يستطيع أن يشارك ولن يشارك، ويتحجج بحجج واهية، متل الإزدحام، متل انو التشييع ما رح يوقف عليي، متل الأمطار أقول له كلمة واحدة فقط، هذا السيد وقف بوجه العواصف العاتية لعشرات السنوات، وقف تحت الأمطار من أطنان المتفجرات كرمالك.. الأحد ليس مشاركة في التشييع، هو إعطاء موقف، تجديد العهد بـ”لبيك يا نصرالله”.

“كل حدا كان يقول فداك نفسي وولادي وعيلتي يا سيد، عليه أن يترجم الأحد هذه المحبة، وإن الأحد لناظره قريب”… كما يَسقُط زعم إيلاء الحزب الوحدة الوطنية اهتمامه أو همه بحجب الدعوات عن الأحزاب المسيحية والشخصيات السيادية كالقوات اللبنانية والكتائب وحزب الوطنيين الأحرار.

وفي الحديث عن الأصل والفصل، استعاد الحزب أمجاد ماضيه غبّ طلب الحشد الشعبي الديني والمذهبي للتشييع العتيد،في حين أنه كان يطمس بعض تلك الأمجاد خجلاً أو تهرّباً في كثير من الأوقات، وأحياناً يستعيدها متذكّراً مذكِراً لعل الناس تغفل عما حصل للحزب وسلاحه ومصيره المنتظر المحتّم والذي وقّع بحبر أقلام وزرائه على صك إنهائه مرغماً لا بطل.

على سبيل المثال لا الحصر، أنكر الحزب ولسنوات طوال مسؤوليته عن خطف الرهائن الأجانب وتفجيرات السفارة الأميركية وموقعَي المارينز والقوات الفرنسية في بيروت عام 1983، في حين أن التحقيقات والمحاكمات وأجهزة الاستخبارات في لبنان وأميركا وفرنسا أثبتت مسؤوليته، وفي هذا الإطار نقع على مقابلة للأمين العام الحالي لحزب الله الشيخ نعيم قاسم من موقعه الالكتروني الرسمي أجرتها الدكتورة بشرى صالحة في شهر تموز 2002، كما ورد في الموقع، وردّاً على سؤال: “الأميركيون يتّهمون حزب الله بعمليات السفارة الأميركية في بيروت ومركز المارينز والبعثة الفرنسية، ما هو تعليقكم على هذا الأمر؟‏، يقول نعيم قاسم: “في سنة 1982 عندما نشأ حزب الله وضع أمامه أولوية واحدة وعمل لها، وهي أولوية قتال إسرائيل وفي الأماكن التي تحتلها، أي لم يتجاوز حدود مواقع الاحتلال، ولم يفكر في أن يكون له أي نشاط يشمل غير الإسرائيليين، أو يتعدّى حدود الأرض المحتلة أي على مستوى العالم، من هنا كان الاتجاه الذي ركّز عليه حزب الله وتبنّاه وعمل له ونظَّر له وعرفه الناس به في هذا الاتجاه وهو اتجاه مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لكن الجميع يعلم أن لبنان في تلك الفترة كان ساحةً مفتوحة لكل أشكال النشاطات المقبولة وغير المقبولة على مستوى العالم، وقد نشأت منظمات كثيرة سمعنا بأسمائها في لبنان وقامت بأعمال سواء داخل لبنان أو خارجه وتبنّت هذه الأعمال بسبب الحالة الفوضوية التي كان يعيشها لبنان وعدم قدرة الضبط، في مثل هذه الظروف قامت بعض المجموعات وأطلقت على نفسها أسماء معروفة في ذاك الزمان كأسماء عامة هي التي كانت وراء التفجيرات وأعمال خطف الأجانب، وكانت مجموعات متنوعة في هذا الاتجاه لكن لم يكن لحزب الله أي علاقة بها لا على المستوى التنظيمي ولا على مستوى معرفة نشاطاتها وخططها، وقد أعلنا عن هذا الأمر مراراً وفي مناسبات متعدّدة، وبالتالي تجري محاولات أميركية حثيثة لربط عمل هذه المجموعات بحزب الله ذلك لعجزهم عن معرفتها وعن تسليط الأضواء عليها، ونحن نعتبر أن هذا الاتهام هو اتهامٌ سياسي يفتقر إلى أدنى الأدلة”.

وافتخاراً بما مضى وأنكره نائبه آنذاك، يقول الامين العام الراحل السيد حسن نصرالله في 3 تشرين الثاني 2023: “أساطيلكم في البحر المتوسط لا تخيفنا ولن تخيفنا في يوم من الأيام وأقول لكم إن أساطيلكم التي تهدّدون بها لقد أعددنا لها عدّتها أيضاً، فالذين هزموكم في بداية الثمانينيات ما زالوا على قيد الحياة ومعهم اليوم أولادهم وأحفادهم”. لياتي كلام نصرالله تكذيباً للحزب ونعيم قاسم وتصديقاً للاتهامات اللبنانية والأميركية والفرنسية كما تصديقاً لاعتراف رئيس الهيئة الشرعية في الحزب الشيخ محمد يزبك الذي قال بعيد تفجيري المارينز والقوات الفرنسية وتحديداً في 31 تشرين الأول 1983: “زعزعنا عرش أميركا وفرنسا”.

اليوم وأمام واقع الحزب في ما حصل له وعليه، يكاد يكون التشييع “فولكلور وفشّة خلق” بوجه الداخل بدأت بشائرها من مَسيرات الحزب ودراجاته في المناطق المسيحية والسنّية والدرزية وفي الأيام الثلاثة على طريق المطار، بعد هزائمه العسكرية والسياسية بإبعاده عن الحدود وعن السلطة التنفيذية من رئاسة الجمهورية والحكومة والثلث المعطل فيها، ويكاد يردّد المشيّعون من بيئة الحزب قبل الحياديين والمعارضين المدركين لحالة “ذاك الفتى” الذي بدأنا به مقالنا،قبل التشييع وبعده،قول شاعر آخر “ليس الفتى من قال كان أبي، إن الفتى من قال ها أنا ذا”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: