الحزب بين “كلمة الميدان” والكلفة على الانسان

jnub

أنطوان سلمون

مع خطِّنا لكلمات هذا المقال، تتوالى الأخبار والمعلومات عن سقوط ضحايا في الجنوب وبعيداً من خطوط ميدان المواجهات على الحافة الحدودية او داخلها لنشهد متأسفين مذهولين دمار مدينتي النبطية وصور على رؤوس قاطنيها من مؤيدي الحزب والحركة والمستقلين عنهما، كما تتوالى الأخبار والمعلومات عن تدمير ممنهج لمدينة بعلبك وقرى وبلدات البقاع الاوسط والغربي والشرقي والشمالي، وطبعاً لا تغيب عن بالنا وانظارنا مشاهد الضاحية الضحية المكلومة المدمرة مبانيها ودورها ومجامعها السكنية والتجارية لتطمر أجساداً وتصفي رؤوساً وعناصراً من الحزب ومن المواطنين العاديين المدنيين الأبرياء، ولا يبدو على ما نسمع ونرى ونتابع ان لتلك المشاهد والمعلومات والاخبار نهاية قريبة سعيدة.

في المقابل وفي الوقت نفسه، نستمع ونرى ونشهد على المعارك الممتدة من خارج حافة الحدود اللبنانية الى داخلها مسطّرة بطولات وشهادات مقاتلي الحزب التي لطالما سعوا اليها وانتظروها بفارغ الصبر لتكبيد العدو خسائر لن يقوى على تحمّلها على ما قاله قادة الحزب وبشروا به تماما كقول قادة حماس قبيل غزو غزة البري والاجهاز عليها بشراً وحجراً.

في خضم تلك الأحداث والمشاهد والأخبار والبطولات يطل لبنان الرسمي المفوّض من الحزب بشخص رئيس حركة امل نبيه بري عارضاً المبادرات والالتزامات مربوطة بأولويه وقف اطلاق النار، هذه النار التي يدفع ثمن اطلاقها على الجبهات العدو الاسرائيلي بجيشه بعديده وعتاده وهيبته وحتى وجوده تحت مفهوم وثابتة الحزب بأن “الكلمة للميدان” مع التوغل البري او القضم البطيء المكلف على العدو.

للأسف لم يأخذ الحزب وامينه الراحل قبل رحيله وقيادته المأزومة بعده من دروس غزة اي عبرة او اعتبار او حتى اختبار على الارض بعد طول توغل زمني ومكاني وتمادي في القتل والدمار ليصل عدد قتلاها وجرحاها الى ما يناهز المئتي الف معظمهم من النساء والاطفال ومهجريها ونازحيها وتائهيها الى ما يفوق المليونين، مع تدمير ثلثي قطاع غزة وانقطاع اي سبيل من سبل العيش فيه.

لقد سبق لقادة حماس ان تبنّوا ما يتبنّاه اليوم الحزب بقيادتيه المفقودة والمولودة على يد “الداية” الايرانية، من ايلاء الميدان ومقاتليه الأولية على حساب الإنسان الذي كان آمناً في بيته في 6 تشرين الأول 2023 مع كامل عائلته وعاملاً في مكان رزقه، وطبعاً غير مؤمّن بملجأ تحت الارض يقيه ما تأتّى عليه بعد قرار اصحاب الميدان المتخندقين في انفاقهم.

لم يتأخر اصحاب الميدان في لبنان ومن الحزب على تقليد واستنساخ تجربة حماس في غزة لتطبق على لبنان وتطبق معها المباني والمنازل على قاطنيها في وقت كان ابطال الميدان في انفاقهم آمنين مبدئياً لا فعلياً، اذ إن الضربة التي اصابت الملجأ تحت البناء المدني الذي كان يجتمع فيه قادة قوة الرضوان بقيادة قائده ابراهيم عقيل في 20 أيلول 2024 أثبتت هشاشة حماية الميدان وقوة الرضوان، وما تبعه من ضربات اصابت الانفاق في الضاحية والجنوب والبقاع وجبل لبنان؟ لتصيب معها ما فوقها من منازل وحياة المدنيين الابرياء من شيوخ ونساء واطفال .

لا يختلف اثنان من الممانعين على تسمية حرب تموز بالانتصار في الميدان ولا ينسى احد ان تكلفة شهر الانتصار كان اقل من 1200 شهيد والخسائر اقل من 20 مليار دولار والمهجرين كانوا اقل من مئتي الف ومع ذلك قال صاحب الانتصار في الميدان صاحب الوعد الصادق السيد حسن نصرالله عن تكلفة “كلمة الميدان” على الانسان في لبنان في 27 آب 2006: “لو كنت أعلم في 11 تموز انه هناك إحتمال 1% بأن يقوم العدو بهذه الحرب لما اقدمت على خطف الجنديين الإسرائيليين، ذلك لأسباب اخلاقية وانسانية واجتماعية وأمنية وعسكرية إذ إن حزب ألله لا يقبل بذلك ولا الأسرى ولا أهاليهم”.

انطلاقاً من الندم، الذي لم ينفع، من كلمة الميدان في تموز 2006 ما تراه يقول الحزب اليوم ومَن وراءه عن “التكلفة” المضاعفة اضعافاً حجراً ودولاراً وبشراً مع استمرار ازدياد “فواتير الميدان” على الانسان في لبنان وصولاً الى الحد الذي وصلت اليه غزة وقد يتخطاه، على الرغم من الاسناد العقيم الذي لم يلد الا احتلالاً وتدميراً لغزة وقتلاً لأبنائها وويلات على اللبنانيين لم تنته وقد لا تنتهي في وقت قريب على ما تشي به التطورات والتصريحات والأداء المتخبط في ادارة الأزمة والمصيبة الواقعة المقفلة الآفاق.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: