"الحزب" متباهياً: "نعيش غزة لبنانية جديدة"

beirut

من الواجب الوطني والاخلاقي وإنصافاً للحقيقة ولو كانت مرّة وقاسية ان نقارب ما جرى ويجري بموضوعية، مستلهمين دروس غزة غير البعيدة زمنياً ومكانياً والتي ما زالت ممتدة في حاضرنا مؤشرة الى سواد وانسداد أفق وتمادي قتل وتدمير بكل الطرق، بعيداً من الخطب الحماسية التي تنعكس حماساً عاطفياً لا عقلانياً يعبّر عنه في الاعلام الممانع ومن جمهور بيئة المقاومة والممانعة  في لبنان ودول "التصدي والصمود" والاسناد من خارج الحدود من مثل ما حصل بعد "الصليات" الصاروخية الايرانية على اسرائيل ومن مثل ما يحصل اليوم بعد الأخبار الواردة من الجبهة الجنوبية عن التعثرات والخسارات التي يمنى به العدو الاسرائيلي.

ان مقاربة الحقيقة مهما كانت صعبة تضعنا في مشهدين متناقضين معبّرين:

المشهد الأول: إن إطلاق النار ابتهاجاً وانتصاراً في الأول من تشرين الأول 2024 كان قد سبقه إطلاق النار حزناً وغضباً وانكساراً بعد 27 أيلول 2024.

المشهد الثاني: إن مشاعر وأحاسيس الممانعة وجمهورها والحزب وبيئته على رأسيهما بالبهجة ونشوة النصر واستعادة واعادة شعار "اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت" كان قد سبقتها مشاعر مناقضة مخالفة أمام صدمات الخروقات والاختراقات والاغتيالات تأججت من مجزرتي 17 و18 أيلول ولم تخفت مع استمرار الاستهدافات - الاختراقات الممتدة الى قلب العاصمة بيروت والمتمادية الاطراف مروراً بسوريا والعراق وصولاً الى ايران في المستقبل القريب.

لم يكن ما قاله مسؤول العلاقات الاعلامية في "الحزب" الحاج محمد عفيف وعلى "اطلال" المباني المهدمة الا رجعاً وصدى لما كان يقوله اعلام الممانعة وما كانت تقوله قيادات حركة حماس قبل دخول قوات العدو الاسرائيلي البري الى غزة وأثناءه وبعده والخشية انطلاقاً من تعهدنا بمقاربة الحقيقة علميا ومن التجارب والمشاهد المماثلة الشبيهة ان تكون نتائج ما بشّرنا به عفيف واعلامه واحلامه مطابقةً لنتائج ما سبق ان بشّرت به قيادات حماس واعلامها واحلامها ان لم نقل أوهامها.

تأكيداً على حقيقة ما نقول وعلى ما "نعيش" وما يُخشى ان نعيشه جرّاء ما يقترفه "الحزب" من استجلاب واستيراد لتجربة غزة الى لبنان، وبعد تعبيره عن نشوة الانتصار على "التوغل البرّي" الذي لم يبدأ بعد، أكد عفيف: "نحن نعيش غزة لبنانية جديدة".

تأكيداً كذلك على حقيقة اسقاط تجربة غزة على الساحة اللبنانية واللبنانيين مدنيين ابرياء قبل المقاتلين، التقى عدم اكتراث  رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه غالانت واستعدادهما لتكرار تجربة غزة برياً مع ترحيب الحزب من أمينه العام الراحل مروراً بنائبه الشيخ نعيم قاسم وصولاً الى مسؤوله الاعلامي محمد عفيف، اذ اكد نتنياهو وبعد الضربة القوية التي منيت به قواته العسكرية على تخوم الحدود اللبنانية  في العديسة ومارون الراس، على "استمرار الحرب باعتبارها الحرب الاكثر عدالة في التاريخ"، واعتبر غالانت "ان ضمان استمرار الحياة في اسرائيل ينطوي على دفع ثمن باهظ من الدماء".

لم تكن مقاربة الحزب لما جرى في غزة في بداياتها بأفضل من بدايات ما يجري من لبنان من حرب شاملة وما يُنتظر ان يحدث فيها، فقد اعتبر أمين عام الحزب الراحل  نصرالله في 11 تشرين الثاني 2023 اي بعد مرور شهر فقط على طوفان الاقصى ويدخل مع  تداعياته الدموية والاستراتيجية على غزة والفلسطينيين وكل العرب والمسلمين عامه الثاني: "هنا الوقت يضغط على العدو وعلى من يحمي العدو، اليوم بسبب هذا العدوان وهذه الدماء وهذه المجازر واشلاء الاطفال وقصف المستشفيات، حتى العالم لم يعد يتحمل هذا الامر، هذا طبعاً سيمثل ويشكل عامل ضغط على الامريكي وعلى الاسرائيلي ويجعل الوقت يضيق".

ولن تكون مقاربته لغزة اللبنانية الجديدة  غير المتوقعة وغير المنتظرة بأفضل وأدق من مقاربة غزة طيلة عام اذ يقول نعيم قاسم الامين العام الحالي بالتكليف قبل صدمات البيجر واللاسلكي والاغتيالات الكبرى في 14 أيلول 2024: "ليس لدينا خطة للمبادرة بحرب لأننا لا نجدها ذات جدوى".

وفي هذه صدق قاسم اذ ان التباهي بـ"غزة لبنانية جديدة" يعني التباهي او عدم الاكتراث بالتسبب بأكثر من 41 الف قتيل ومئة الف جريح وتدمير عشرات الاف الابنية والبنى التحتية وتهجير الملايين ناهيك عن احتلال مساحات شاسعة من الارض تلغي مفاعيل الانسحاب والتحرير والانتصارات وتعيد زمن الهزائم والانكسارات.

ان كنت لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري وتتباهى فالمصيبة أعظم.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: