لا تزال جولة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الأخيرة للخليج تشغل المراقبين والاخصائيين في شؤون المنطقة لجهة التداعيات والنتائج.
من جهتنا نرى ان ابرز ما تمخضت عنه تلك الجولة التي يمكن وصفها بالتاريخية في مضامينها ومواقفها وصفقاتها يمكن اختصارها بالاتي:
أولاً: ثبوت دعم السعودية الكامل للنظام السوري الجديد بقيادة الرئيس السوري احمد الشرع باتجاه بناء الدولة السورية ونهوضها من سنوات الحرب المدمرة واعادة إطلاق عجلة الإعمار والبناء والاعتراف المتجدد بسوريا كدولة سيدة مستقلة انطلاقاً من الرؤية القيادية للرياض من ان
اي استقرار في أي بلد عربي ينعكس استقراراً للمنطقة ودولها وشعوبها بحيث يمكن عندها إطلاق مشاريع التنمية والعمران والتقدم.
من هنا فان خطوة الادارة الاميركية برفع العفوبات عن سوريا يخفي في طياته نوعاً من الاستعجال الخليجي والسعودي تحديداً بعودة سوريا إلى صحتها التامة ومن خلالها البدء بشق طريق الاستقرار والسلام في المنطقة.
ثانياً: بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية ولا سيما الادارة الاميركية الجديدة فإن رؤية الرئيس دونالد ترامب تتمثل في خلق فرصة لعودة الولايات المتحدة إلى الساحة الشرق الاوسطية لاستعادة الإمساك بها وابعاد الصينيين والروس عن دائرة التأثير فيها وفي ملفاتها وهو الامر الذي أغفلته الادارة الديمقراطية السابقة مع الرئيس جو بايدن التي استسهلت التخلي عن المنطقة.
فالرئيس دونالد ترامب اعاد خلط الأوراق من خلال عودة الانخراط الاميركي الكلي في الشرق الأوسط من بوابات الاستثمارات التجارية والشراكات الاقتصادية الضخمة والتعاون الدفاعي الامني والانخراط في شراكات ضخمة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات وسواها من استثمارات ضخمة تمهيداً لتأسيس مرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية والسياسية والتجارية التاريخية بين واشنطن وشركائها الخليجيين والعرب بعدما وصلت العلاقات سابقاً بين الطرفين إلى ادنى مستوياتها.
ثالثاً: استعراض الملفات الاقليمية من مناقشة ازمة غزة الى ملف اليمن وملف ايران وملف لبنان وملف سوريا وملف السودان دليل على ما تضمنته المباحثات من رسم لمشهدية شرق اوسط جديد نقلت القيادة في بناء النظام الاقليمي الجديد من ايدي إسرائيل إلى ايدي العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ايماناً من ادارة الرئيس دونالد ترامب بعدم امكانية فرض نظام اقليمي بقوة الغطرسة الاسرائيلية الحالية بل من خلال تعزيز الشراكات الاستراتيجية والسياسية والدفاعية والتجارية مع العالم العربي الخليجي من بوابة المملكة الريادية وصولاً إلى اقامة السلام العادل بين العرب وإسرائيل بالتفاهم والانفتاح والتفهم للهواجس المتبادلة لا بقوة التهديد والعسكرة التي ينتهجها بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة.
فالأولوية أطلقت من الخليج والرياض تحديداً نحو المزيد من التعزيز في العلاقات الاميركية الخليجية العربية ومعالجة الأوضاع الاقليمية المجمدة معالجة جذريّة من خلال اتمام الصفقات الكاملة والمتكاملة في الاقتصاد والسياسة والامن والدفاع وامن طاقة والذكاء الاصطناعي والتبادل التجاري والاتفاقيات الاقتصادية والاستثماريّة الضخمة التي تضمن ريادة المنطقة في استراتيجيات واشنطن بما ينعكس ايجاباً على المنطقة والعالم.
رابعاً: في الشق الإيراني الذي يهم كل دول المنطقة فان زيارة ترامب إلى دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بالتوازي مع استمرار المفاوضات الاميركية الإيرانية النووية تعبير لا بل رسالة واضحة للإيرانيين بمكان ومركز تركيز سياسة واشنطن الاقليمية اي الورقة الخليجية العربية ما يعطي اشارة مباشرة للايرانيين بأن اي تفاوض او اتفاق مع واشنطن لا بد من الآن وصاعداً ان يأخذ بالاعتبار ليس فقط هواجس إسرائيل بل وايضاً وبنفس المرتبة هواجس العرب جيران ايران في امنهم ومستقبلهم واستقرار وسلام المنطقة خاصة وان طهران خسرت الكثير من اوراقها الاقليمية فضعف الوكلاء هو ما اجبر ويجبر وسيجبر ايران على التخلي عن شروط عدة عكس ايام الرئيس باراك اوباما الذي أطلق يد ايران في المنطقة مقابل اتفاق نووي عام ٢٠١٥.
فالنظام الإيراني اليوم اضعف بكثير من العام ٢٠١٥ وقد بلغ التفاوض الحالي حد الحديث عن مبدأ تخلي ايران عن التخصيب في مقابل حفظ النظام من الداخل الإيراني وبذلك فإذا تخلى النظام عن النووي يصبح التفاق ممكناً ويتحول النووي إلى سلمي وتعود إيران إلى مستوى الدولة الاقليمية العادية التي تتعايش مع البرامج النووية العربية والسعودية تحديداً السلمية وينتهي بذلك السباق على التسلح النووي في المنطقة الذي يطمئن إسرائيل من اي خطر نووي عربي خليجي، فواشنطن ستمنح السعودية برنامجاً نووياً سلمياً بموازاة النووي الإيراني إذا عاد إلى المدني والمعلوم ان الرياض تتجه نحو النووي السلمي والامني مع الاميركيين.
وفي الختام، معروف عن الرئيس دونالد ترامب انه رجل الصفقات ولكن في الموضوع الاقليمي لا خلط بين الأعمال والسياسة لصالح الشعوب والملاحظ ان حتى الرئيس ترامب نفسه قد تحولت سياسته بين ولايته الاولى وولايته الثانية اذ كان في الولاية الاولى يجابه السياسات بالمنطلقات العاطفية والشخصية بينما الان بات واقعيا وخطابه السياسي يصب في خدمة المصالح الاميركية واثبات قدرته على التراجع الواقعي كما بموضوع تراجعه تجاه الصين حول ازمة الرسوم وإقراره بالمصلحة العربية على المصلحة الإيرانية في المنطقة ما يستدعي من العرب الاستثمار الكامل والكلي في عهد دونالد ترامب لضمان امن ومستقبل المنطقة وشعوبها.