غريب أمر الممانعين و”المقاومين المفترضين”، وغريب أمر الحزب المستمر في مقاومته على ما يصرح ويكرر قياديو الحزب مفسرين بأن استمرار المقاومة هو في الميدان، غريب اكثر موافقة الحزب على اتفاق وقف اطلاق النار وانسحابه وسلاحه من جنوب الليطاني وفق تفسيره الاحادي الحصري للاتفاق، اذ ان جنوب الليطاني هو “ميدان المقاومة” المعزول السلاح، الاشد غرابة يكمن في موافقة الحزب على البيان الوزاري الحائز على ثقة كتلة الحزب النيابية والذي شرحه رئيس الحكومة القاضي نواف سلام في 21 آذار 2025، “البيان الوزاري ينص بوضوح على حصر السلاح بيد الدولة والجميع ملتزم بذلك، ولا أحد يعمل في اتجاه معاكس لحصر السلاح بيد الدولة، صفحة سلاح حزب الله انطوت بعد البيان الوزاري وشعار “شعب جيش مقاومة” أصبح من الماضي” مع الاشارة الى ان وزراء الحزب في الحكومة السابقة وافقوا على اتفاق وقف اطلاق النار ووافقوا في الحكومة الحالية على البيان الوزاري الواضح النص والاهداف والمعاني والتي تصب كلها في مضمون ما ذكره سلام وما سبقه اليه خطاب القسم للرئيس جوزاف عون وما اورده تباعاً في كل المحطات ولن تكون آخرها تصاريحه اثناء زيارته للملكة العربية السعودية.
لقد حملت مصادفة الهجمة الشرسة على كل من الرئيس جوزاف عون ونواف سلام ووزير الخارجية جو رجي ونواب القوات والنواب السياديين المعلومة المصدر بالصوت والصورة والهوية الدينية والسياسية، مع اطلاق الصواريخ المجهولة هوية مطلقيها من الجنوب اللبناني استغراباً اكبر لمسارعة الحزب “المستمر في الميدان” عبر اصداره البيان الآتي:
“ينفي حزب الله أيّ علاقة له بإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويلفت إلى أنّ ادعاءات العدو الإسرائيلي تأتي في سياق الذرائع لاستمرار اعتداءاته على لبنان والتي لم تتوقف منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار، كما يؤكّد الحزب وقوفه خلف الدولة اللبنانية في معالجة هذا التصعيد الصهيوني الخطير على لبنان، مع التأكيد على التزامنا باتفاق وقف إطلاق النار”.
هناك أكثر من استغراب في قراءة البيان اذ يؤكد الحزب فيه “على وقوفه خلف الدولة” وعلى “التزامه باتفاق وقف اطلاق النار” وفي الوقت عينه ومنذ السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024 لم تتوقف سيل التصرفات والايحاءات والمواقف والتصاريح والتحليلات الصادرة عن الحزب، عن محاولة التملص من الاتفاق برمته او في احسن الاحوال من الالتفاف على بنوده او بعض منها من مثل قراءة تحليلية للاتفاق تقول ببقاء السلاح شمال الليطاني حيث لا ميدان للمقاومة بوجه اسرائيل ولا نقطة انطلاق لتحرير ما احتل من ارض.
لأن مناسبة البيان هو نفي مسؤولية الحزب عن اطلاق الصواريخ فقد أتت تصاريح مسؤولي الدولة، التي وقف خلفها الحزب في بيانه، محذرة من “تجدد العمليات العسكرية على الحدود الجنوبية لما تحمله من مخاطر جرّ البلاد إلى حرب جديدة” على ما صدر عن رئيس الحكومة نواف سلام من غمز قناة الحزب الذي سبق “أن جرّ البلاد الى حرب” كذلك في تصريح رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وفي اطار تحميل المسؤولية نفسها للحزب معتبراً إطلاق الصواريخ هو محاولة لاستدراج لبنان مجدداً الى دوامة العنف.
طبعاً لم تشذ قراءة الوزراء والنواب والمسؤولين السياديين لمغزى اطلاق الصواريخ عن قراءة رئيسي السلطة التنفيذية في الجمهورية اللبنانية ذات السيادة، وطبعاً نرى الحزب المسلّم بكلّ طيبة خاطر لاستمرار اغتيال عناصره وقيادييه وضرب قواعده وتدمير بيئته وبناها التحتية منذ وقف اطلاق النار، مستشرساً متهماً مخوناً هادراً لدم شركائه في الوطن وعلى رأسهم القيمين على دولته، حفاظاً واستئثاراً لدويلة مقطعة الأوصال مثخنة بالجراح آيلة حتماً الى سقوط مدوي عظيم على ما جاء في القرارات والاتفاقات والموافقات والتفويضات والخطابات والبيانات والكتب، ولو كثر الصراخ والعنتريات والمشاغبات والتحرشات والاستدراجات فان عقارب الساعة لن تعود الى “جيش شعب ومقاومة” وستتقدم الساعة الى ان تبسط الدولة وحدها بقواها الشرعية والتي سمّاها اتفاق وقف اطلاق النار الذي يعلن الحزب في بياناته وخطاباته الالتزام به بـ”القوات الأمنية والعسكرية الرسمية للبنان” وحدد الاتفاق بأنها “الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والجمارك اللبنانية والشرطة البلدية”، وطبعاً وكأن بالرئيسين والوزراء والحزب نفسه يقولون: “على السلاح السلام عاجلاً لا آجلاً”.