إصرارٌ “عالي السقف” يُسجّله رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون على حياد لبنان عن مسار الحرب الإسرائيلية – الإيرانية المتصاعدة في المنطقة ومنع جرّ الداخل اللبناني إلى الدائرة الحمراء الكفيلة بجلب الدمار والخسائر البشريّة والماديّة مرّة جديدة، لذلك أظهر الرئيس عون، من خلال حضوره الشخصي منذ أيام في قلب العاصمة، صورة الدولة التي تعيد الحياة إلى وسطها التجاري مع بداية الصيف كرسالة واضحة للعالم بأنّ خيار لبنان “عدم دخول الحرب بنسبة ٢٠٠%”، حسب قوله.
أتت المواقف الصادرة عن الرئيس عون ورئيس الحكومة نواف سلام في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء حول أهمية إبعاد لبنان عن صراعات لا دخل له فيها منسجمة مع بعضها البعض ومعبِّرة في الوقت نفسه عن الموقف الرسمي إزاء الصراع الإسرائيلي- الإيراني، وهي رسالة قويّة مباشرة وصلت إلى “حزب الله” بأنّ الدولة اللبنانية لن تسمح بتوريطها في ساحة الحرب. جاء هذا الموقف بمثابة بطاقة تنبيه صفراء بإبقاء لبنان بمنأى عن هذه التطورات، والمؤكد انه لاقى صدى ايجابيا امام المجتمعين المحلي والخارجي خصوصا انه موقف موحّد.
من دون أن ننسى أنّ خطاب القسم الذي التزم به عون تصدّره التأكيد على “التزام لبنان الحياد الإيجابي” متجاهلاً عبارة “المقاومة”، أو ما يؤشر إليها، خلافاً للخطابات التي طبعت العهود السابقة منذ بدء الجمهورية الثانية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، كما تأكيده العمل على “تثبيت حق الدولة في احتكار حمل السلاح”.
ولنتذكّر قول عون، بعد خلوة مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي: “عندي قناعة أن اللبنانيين لا يريدون الحرب ولا يريدون أن يسمعوا بذلك. لذلك فإن القوات المسلحة اللبنانية هي الوحيدة المسؤولة عن سيادة لبنان واستقلاله”، متابعاً: “فلنعالج الموضوع برؤية ومسؤولية، لأنه موضوع أساسي للحفاظ على السلم الأهلي، وسأتحمله بالتعاون مع الحكومة”، مؤكّداً أنّ “أيّ خلاف في الداخل اللبناني لا يقارب إلا بمنطق تصالحي وحصر السلاح سننفذه ولكن ننتظر الظروف لتحديد كيفية التنفيذ”.
يكفي أن نقف عند موقف رأس الدولة، وهو لم يكمل بعد نصف السنة من العهد، بأنّ “لبنان قيادة وأحزاباً وشعباً، مدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أنه دفع غالياً ثمن الحروب التي نشبت على أرضه وفي المنطقة، وهو غير راغب في دفع المزيد ولا مصلحة وطنية في ذلك، ولاسيما أن كلفة هذه الحروب كانت وستكون أكبر من قدرته على الاحتمال”، على اعتبار أنّ “قصف المنشآت النووية الإيرانية يرفع منسوب الخوف من اتساع رقعة التوتر على نحو يهدد الأمن والاستقرار في أكثر من منطقة ودولة، داعياً إلى ضبط النفس وإطلاق مفاوضات بناءة وجدية لاعادة الاستقرار إلى دول المنطقة وتفادي المزيد من القتل والدمار”.