حصل الردُّ على الردِّ وانتهى “الماتش” بالتعادل … إسرائيل ردّت بنفس الضوابط التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على إيران : ردٌّ محدود من دون إصاباتو وتحييد للمرافق الحيوية ولا سيما النووية….
- مبارزة صورية بإدارة أميركية
مرةً جديدة، أثبتت كلٌ من إيران وإسرائيل التزامهما بقواعد الأميركيين في عملية المبارزة “الصورية” والمسرحية.
الوزير اليميني الصهيوني المتطرّف للأمن الداخلي في تغريدته وتعليقاً على الردّ الإسرائيلي على أصفهان، وصفَ الردّ ب”المسخرة”، فيما غرّد الرئيس السابق للوﻻيات المتحدة والمرشّح الحالي دونالد ترامب على موقعه الخاص بدعوة : الإسرائيليين والإيرانيين الى عدم ضبط النفس “استهزاءً منه بهما.
بين الضربة الإيرانية المسرحية الأولى ليل ١٣ نيسان الجاري والردّ الإسرائيلي ليل الخميس الفائت أيام مرّت من المفاوضات واﻻتصالات والضغوطات الأميركية الشديدة، وهي تُمارَس على الجانبين والغاية : تجنّب انزلاق الردّ على الردّ الى تصعيدٍ عسكري إقليمي واسع وخطير، وتحديد الردّ ضمن ضوابط عسكرية وميدانية مدروسة.
- إسدال الستارة على مسرحية “الانتقام والانتقام المضاد”
بدايةً، دعونا نتّفق بأن الردّ الإسرائيلي الأخير على أصفهان ختمَ المشهد الأول من مسرحية “اﻻنتقام والانتقام المضاد” حيث بدت فيها إيران هزيلةً ومسايرةً للأميركيين والإسرائيليين، فيما بدت إسرائيل خاضعةً لإملاءات المياسترو الأميركي الناشط،
وبالتالي سيتوقّف مسلسل المبارزة المباشرة بين إيران وإسرائيل وتعود المواجهات الى مربعها الأول وفق قواعد اﻻشتباك مع الوكلاء وعلى رأسهم حزب الله في لبنان.
كان من المفترض على إسرائيل أن تردّ على الهجوم الإيراني عملاً بمبدأ “توازن الردع” بضرب الداخل الإيراني لعدم السماح لإيران بأن تفكر أو تتجرّأ مستقبلاً على ضرب إسرائيل.
الجانب الأميركي تكفّل بتهذيب وتخفيف وطأة الردّ الإسرائيلي كما كان قد تكفّل بتحديد الخطوط الحمر للردّ الإيراني على إسرائيل، ولذا جاء الردّ الإسرائيلي منضبطاً على معايير الإدارة الأميركية.
- شروط واشنطن لمنع الانزلاق الى الردودّ والردودّ المضادة
واشنطن وضعت على إسرائيل شروطاً لردّها على إيران، أولها أن لا يكون الردُّ موجعاً لإيران في الداخل لأن واشنطن تُدرك أن أي ردٍّ موجِع لإيران سيؤدي الى تأليب الرأي العام الإيراني على النظام الذي لم يتمكّن حتى الآن من مداواة آثار مقتل مهسى أميني والثورة الشعبية التي تسبّب بها مؤخراً، ولأن الشارع الإيراني أيضاً يعاني من الفاقة ووطأة الوضع اﻻقتصادي والمعيشي الضاغط، أما
الشرط الثاني الذي وضعته واشنطن على إسرائيل لتنفيذ الردّ فكان ألا تتبنّى إسرائيل إعلامياً ردّها كي لا تُحرج إيران وتحفظ لها ماء وجهها، وقد شاهدنا كيف أن الإعلام الإيراني والمسؤولين الإيرانيين تنكّرا لحدوث ردّ إسرائيلي عليهما،
فواشنطن لا تريد إحراج إيران من الردّ الإسرائيلي انطلاقاً من أهداف البيت الأبيض بمنع انزلاق مسلسل الردود والردود المضادة الى توسيع التوتّر والحرب في المنطقة.
أما الشرط الثالث للأميركيين على الأسرائيليين فهو تجنّب شمول الردّ او استهدافه مؤسساتٍ ومرافق إيرانية حساسة كالمرافق والمواقع النووية ومراكز تخصيب اليورانيوم ومنشآت النظام الإيراني .
- خروج طهران مرغمةً عن مبدأ الصبر الاستراتيجي
المقاتلات الإسرائيلية التي قصفت أصفهان عبرت الأجواء السورية المستباحة أساساً من خمس دول وقوى عظمى (أميركا – روسيا – إيران – إسرائيل – تركيا )، ووصلت الى شمال العراق حيث أرسلت من فوقه الصواريخ الموجّهة الى داخل الأراضي الإيرانية مستهدفةً مدينة أصفهان، علماُ أن شمال العراق منطقة سيطرة أميركية لا وصول لميليشات إيران اليها.
عدم تبنّي إسرائيل سياسياً وإعلامياً الردّ كان كفيلاً بتجنيب إيران الإحراج، ما ساعد الإيرانيين على إنكار حصول الرد، لكن الأكيد ورغم النفي الإيراني الرسمي والإعلامي أن الردّ الإسرائيلي تحقّق فاستُهدفت أصفهان بشكلٍ “ناعم ومضبوط ” تماشياً مع الرغبة والتعليمات الصادرة عن المايسترو الأميركي.
والأكيد أيضاً(علماً أن لا شيء أكيد في الجيو سياسة) أن الردَّ الإسرائيلي أسدل الستارة على هذا الفصل من المواجهة المباشرة بين البلدين، وقد خرجت إيران مرغمةً عن مبدأ “الصبر اﻻستراتيجي” وتقدّمت وكلاءها في مبارزة إسرائيل مباشرةً، فيما إسرائيل تقبّلت التخلّي موقتاً عن مبدأ ضرب إيران عبر ضرب ميليشياتها، وقبلت بالتحدّي الإيراني الذي تعاملت معه تحت سقف الحليف الأميركي رغم احتجاجات وانقسامات الوزراء داخل الحكومة الإسرائيلية.
- انتهاء الفصل الأول من المسرحية الهزلية
المسرحية اذاً انتهت في جولتها الحالية : إسرائيل ردّت، إيران صمتت، وأميركا نسّقت ونجحت في إدارة المبارزة المباشرة بين البلدين، والضحية الآن في كل ما حدث تبقى غزّة وتحديداً رفح التي ستكون الثمن المُعطى لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للالتزام بقواعد اللعبة مع اﻻنتقام الإيراني.
مرةً جديدة، أثبتت إيران أن ما تدّعيه من حرصٍ وغيرةٍ على فلسطين وقضيتها ليس إﻻ كذب وهراء، فالنظام الإيراني لم يتحرّك عسكرياً لنصرة غزة بل تحرّك للانتقام من تفجير مبناها القنصلي في دمشق، وإيران لم ترسل صواريخها ومُسيّراتها الى إسرائيل لنصرة أهل غزّة بل لاستهداف إسرائيل مسرحياً ليس إﻻ، فهي لم تشترط لوقف اعتداءاتها المباشرة على إسرائيل وقف اعتداءاتها على قطاع غزّة، كل هذه الفرضيات لم تتحقّق والنظام الإيراني أبعد ما يكون عن فلسطين وقضية غزّة وحرب غزّة ليس من أولوياته.
أُسدلت اذاً الستارة على المسرحية الإقليمية التي عاشتها المنطقة فيما فُتحَ الباب مجدّداً على مشهدية استعار حرب غزّة واقتراب موعد الهجوم على رفح وتصعيد الأوضاع العسكرية في الجنوب اللبناني وعودة الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية وميليشياوية داخل إيران، وقد أفهمت إسرائيل الإيرانيين بأن غاراتهم عليها لن تتوقّف كلما رأت تل أبيب مبرّراً لاستهدافات جديدة في سوريا في عودة الى المواجهة من خلال الوكلاء .
الردُّ على الردِّ حصل فتساوت اللعبة وخرج الطرفان متساويين … أنه مسكُ ختامٍ لبداية فصلٍ جديد أكثر جدّية ودموية.