كتبت أريج عمار:
في "مفاجأة" سياسية متوقعة إلى حدٍّ كبير، من شأنها إعادة تشكيل خريطة المنطقة، تتصاعد تقارير عن لقاء مرتقب بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، برعاية أميركية، قبل نهاية عام 2025.
هذا اللقاء، الذي يُنظر إليه على أنه محطة مفصلية في تاريخ الصراع العربي–الإسرائيلي، يأتي في إطار صفقة شاملة قد تطال حدود لبنان وسوريا، وتعيد رسم تحالفات المنطقة بأكملها، لحظة كشف الستار عن اللقاءات والمحادثات بين الطرفين، بعد شهور من التسريبات والكواليس غير المعلنة رسميًّا، أقلّه من الجانب السوري.
خيوط الصفقة من باكو إلى واشنطن
انعقدت سلسلة اجتماعات سرّية في العاصمة الأذرية باكو، بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، برعاية تركية وأميركية، نوقشت خلالها تفاصيل صفقة كبرى تقوم على معادلة ثلاثية الأبعاد: تنازل سوريا عن مطالبها في الجولان المحتل، مقابل قبول ترتيبات أمنية إسرائيلية في جنوب سوريا، ومنح سوريا نفوذًا موسعًا في شمال لبنان، وخاصة في طرابلس.
هذا ما يخدم المصالح الإسرائيلية في خلق مناطق نفوذ محددة تحت مبدأ "حرّاس الحدود"، وتسمّيها إسرائيل إعلاميًا "منطقة عازلة"، تمتد من غزّة مرورًا بلبنان وصولًا إلى سوريا.
إضافة إلى ذلك، ستصبح موارد استراتيجية كبيرة تحت السيطرة الإسرائيلية، ما يُمكّنها من ضمان إضعاف الخصوم المحتملين. وفي مقابل كل هذه الخطوات التوسعية لإسرائيل، ستضمن واشنطن رفع العقوبات عن دمشق، وتسهيل دخول الغاز الأذري إلى الأسواق السورية، عبر خطوط أنابيب تمرّ بالأراضي التركية، على أن يبدأ التنفيذ بدءًا من أول آب.
وبالحديث عن هذه الصفقة، تعود التصريحات الأميركية حول "عودة لبنان إلى بلاد الشام" لتطفو مجددًا على سطح التحليلات الإقليمية، في ضوء التغيّرات المرتقبة في المنطقة. وقد تبيّن، بحسب العديد من المحلّلين، أن هذه التصريحات لم تكن مجرد زلة لسان، ولم تأتِ أيضًا في سياق الضغوط المتصاعدة على بيروت للتعامل مع ملف سلاح حزب الله فقط، بل تكشف – بأدلّة كثيرة – أن الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل في سياستها التوسعية، خاصة في ظل الإدارة الأميركية الحالية، يجعل من الرسالة الأميركية أكثر وضوحًا:
لبنان قد يكون أمام احتمال إعادة رسم الحدود، تحت مظلة الصفقة السورية–الإسرائيلية، إذا لم يطرأ أي تطوّر في ملف سلاح حزب الله، تحديدًا.
وهذا ما يؤكّده مصدر دبلوماسي لموقع LebTalks، بقوله إن "المنطقة مقبلة على موجة إعادة رسم لمناطق النفوذ، إذ إن كلمة السر الأميركية – التركية – الأوروبية – الخليجية كانت واضحة: ترسيخ الاستقرار في المنطقة، وبعيدًا عن أي تهديد أو استفزاز من أي نوع، وهذا ما يحاول الرعاة الدوليون تحقيقه عبر تقريب وجهات النظر السورية – الإسرائيلية".
عقبة السويداء لن تكون الأخيرة؟
رغم التقدّم في المفاوضات، فإن الأحداث الدامية التي شهدتها محافظة السويداء مؤخرًا كشفت هشاشة الوضع الأمني في جنوب سوريا، وأعادت بعض الأمور إلى مربّعها الأول بين الجانبين السوري والإسرائيلي. إذ إن تذرّع إسرائيل بالوضع الأمني الهش، وبحماية "الأقليات"، لتبرير تدخّلها في سوريا، وتشديدها على ضرورة ضبط المنطقة قبل أي انسحاب، أعاد العلاقات بين الطرفين خطوات إلى الوراء، قبل أن تُستأنف المفاوضات في باريس قبل يومين، برعاية أميركية أيضًا.
لكن، وبالرغم من أن هذا التقارب يوحي بأن لا حاجة لتصعيد جديد، فإن مراقبين سوريين يعربون عن قلقهم من تجدّد المعارك، ولكن هذه المرة في منطقة شرق الفرات، لما لهذه المنطقة من أهمية كبرى لإسرائيل.
ويعتبر بعض المراقبين أنه "من المستحيل ألا تستغل إسرائيل الظروف الحالية لتنفيذ حلمها التاريخي، أي ممر داوود"، حيث إن الربط بين محافظة القنيطرة (التي تحتل إسرائيل جزءًا منها)، والسويداء (التي يمكن القول إن إسرائيل قد وضعت يدها عليها الآن)، وشرق الفرات شمالًا، الذي لا يزال حتى الآن خارج سيطرتها، سيُعدّ نجاحًا استراتيجيًا كبيرًا لها.
وسيكون ذلك انطلاقة "ممتازة" للاحتلال الإسرائيلي في مسعاه لبلوغ كردستان العراق، عبر محافظة الأنبار العراقية، فيكتمل بذلك الممر.
مع ذلك، ترى بعض المصادر أن "محاولات تفتيت سوريا إلى دويلات قد توقّفت حاليًا بعد فشلها في السويداء".
سايكس – بيكو جديدة؟
المشهد الذي تتشكّل ملامحه اليوم، يشبه إلى حدّ كبير إعادة كتابة لاتفاقية سايكس – بيكو، لكن هذه المرة تحت الرعاية الأميركية – الإسرائيلية. فالصفقة التي تُحاك في الخفاء قد تغيّر ليس فقط حدود الدول، بل أيضًا هويّاتها وتحالفاتها.
في لبنان، يُطرح السؤال الأكثر إلحاحًا: هل سيحتمل الواقع السياسي الداخلي دورًا جديدًا لسوريا؟
وفي دمشق، يقف أحمد الشرع أمام مفترق طرق: إمّا أن يصبح بطل "صفقة القرن السورية"، أو أن يخسر كل ما كسبه منذ سقوط نظام الأسد.
الوقت وحده كفيل بالإجابة، لكن المؤكّد أن المنطقة مقبلة على أشهر مصيرية، قد تُغيّر وجه الشرق الأوسط لعقود قادمة.