المنطقةُ بحروبها ومشهدها غير المستقر دخلت مرحلة انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية،
ففي حال فوز المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس ستزدادُ الأوضاع تعقيداً فيها، أما إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب فالمنطقة ستنتقلُ من مرحلة الى مرحلة أفضل.
أهمية متوازية بالانتخابات الأميركية في الداخل والخارج
هذا التقييم ليس وليد ساعة تفكيرٍ أو تأملٍ، بل حصيلة معالجة تحليلية للمشهدية المتفجّرة في غزة وجنوب لبنان، إذ أنه
للمرة الأولى تكون الانتخابات الرئاسية الأميركية بالأهمية ذاتها للداخل الأميركي كما لخارجه، لا سيما في منطقةٍ عالقةٍ بنيران حروب ومواجهات على جانب كبير من الأهمية والخطورة.
فوز كمالا هاريس سيعني حتماً عودةَ الفتور في العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، خصوصاً في موضوع استمرار المواجهة مع حماس، فضلاً عن تنامٍ متوقّعٍ للضغوط الأميركية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تزدادُ شعبيته في الداخل الإسرائيلي لحمله على وقف إطلاق النار في غزّة، فيما ستحرصُ إدارة هاريس على إعادة الأموال الإيرانية وإبرام اتفاقٍ نووي جديد .
وقفُ إطلاق النار في غزّة بين الرفض والقبول
كل هذه المعادلة الأميركية تجدُ عكسها في حال فوز دونالد ترامب، حيث سيكون مشروع ترامب القديم- الجديد هو البديل بمحاصرة إيران وربما إعادة العقوبات، وبلعب الورقة العربية- والخليجية من خلال الشراكات التجارية والأسلحة ومنظومات هجومية، في مقابل التطبيع مع إسرائيل وإنشاء شبه دولة فلسطينية بعد القضاء على حماس العسكرية .
في غزة الوضع عالقٌ، وآخر معلومات مساء أمس، وفي لحظة كتابة هذه السطور، أفادت بأن إسرائيل وافقت على وقف “إطلاق نار”، فيما الأنظار تتّجه الى رفض أو قبول حماس وقف إطلاق النار، وأغلب الظنّ أن حماس لا تستطيع إنهاء الحرب ونتياهو أيضاً، لكن لكلٍ منهما حساباتٌ مختلفة، فحماس لا تستطيع إنهاء الحرب لأنها تعتبر قطاع غزّة أصبحَ محتلاً من إسرائيل، وعلى الجيش الإسرائيلي الانسحاب منه وإطلاق السجناء، فيما إسرائيل تعتبرُ أن لا مجال سوى لبقاء قواتها في معبري فيلاديلفيا وناتسريم، على أن يُسلّمَ معبر رفح الى مدنيين فلسطينيين غير تابعين للأمن الفلسطيني أو السلطة الفلسطينية.
المنطقةُ تتخبّط بين تطرّفين متشدّدين
في حقيقة الأمر، كلٌ من يحيى السنوار وبنيامين نتنياهو يراهنان على كسب الوقت لتدمير غزّة وتصاعد شعبية أحدهما على حساب الآخر، فنتنياهو مستعدٌّ حتى للذهاب الى مواجهة مع الجمهورية الإسلامية في إيران من أجل كسب المزيد من الشعبية وإبعاد الحلول والتسويات المحدودة والمجتزأة، فيما السنوار لا يزال يراهن على وحدة الساحات، ومن هنا رهانه أيضاً على الورقة العسكرية حتى الآن، الأمر الذي أوجد الشرخ بين المفاوضين في الدوحة وبين حقيقة موقف حماس في غزّة، لكن الأكيد هو أن المنطقة تتخبّطُ بين تطرّفين : التطرّفُ الصهيوني- اليميني- الإسرائيلي والتطرّفُ الإسلامي- السلفي المتمثّل بفرعٍ من الإخوان المسلمين أي حماس والجهاد.
المطلوب وقف إطلاق نارٍ ملحّ مهما كانت الشروط
معبر فيلاديلفيا هو الشريان الأساسي لحياة حماس، ومن هنا مطالبة إسرائيل بضماناتٍ، قبل الانسحاب من هذا المعبر، بعدم تهريب السلاح والمخدِّرات الى حماس، فيما تعتبرُ طهران أن
إنقاذ حماس أولوية، ومن هنا الدعوة الصادرة عن نظام الملالي للمفاوِض القطري بضرورة إقناع حماس بالتوقيع على وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن مهما كانت شروط إسرائيل، وإنطلاقاً من هذه النقطة، هناك في المفاوضات تركيزٌ على التبادل بين الإبقاء على حماس مقابل الرهائن،بينما طهران انتقلت من مرحلة تنفيذ ردٍّ ما الى مرحلة تحقيق مكاسب أكبر من خلال المفاوضات، في الوقت الذي نجحت فيه القوات الأميركية والأطلسية في المنطقة في حماية “الستاتيكو الحالي” في المنطقة وإسرائيل، وعين طهران على تسهيل الاستحصال على اتفاقٍ نووي يعني لها أساساً : إعادة أموالها اليها بعد الإفراج عنها بحيث يمكن المفاوضين أن يتخذوا قراراتٍ منها تحرير أموال إيران الضخمة.
أما ردُّ حزب الله، لا بل تهديده بالردّ ولو “وحيداً”، فهو تكتيكٌ سياسي موجّه الى قاعدته الداخلية بشكل أساسي، والتي تتكبّدُ لوحدها الثمن الأغلى للمواجهة نصرةً لغزّة وإسناداً لها.
ومن هنا، فإن حزب الله اللبناني ليس في وارد تطبيق أي قرارٍ دولي حالياً، ولا سيما القرار 1701وذلك بهدف الإبقاء على حرية التحرّك الضاغط على إسرائيل انطلاقاً من الجنوب اللبناني، ولتجنّب العودة الى الداخل اللبناني نظراً للنقمة اللبنانية على تصرفاته، ما سيُضطره للانخراط في أزمات داخلية بينه وبين اللبنانيين.
أما ما يجري في الولايات المتحدة الأميركية من مظاهراتٍ مؤيدةٍ لفلسطين فستُسبّب ردّة فعل عكسية لدى الأميركيين بتأييد ترامب أكثر من هاريس التي تبدو في مواقفها أقرب الى التسويات والصفقات منها الى مصالح الجمهوريين، فالتظاهرات تلك ليست لمصلحتها وبالتالي فإن وصول ترامب الى البيت الأبيض سيعني اتفاقاً نووياً جديداً مع إيران ولكن وِفق شروطه هو وليس شروط أوباما.
ما هي خطة إسرائيل للأمن الآقليمي؟!
انطلاقاً من هذه المعطيات كافةً، يبدو من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يريدُ الحرب، وقد أعدَّ نفسه جدّياً لها من خلال تسليحٍ نوعي على مثال ما يُسمّى “القنابل الزلزالية”، ومن خلال كسره لقواعد الاشتباك بضربه العمق اللبناني في الضاحية الجنوبية والبقاع، إذ منذ ساعات قصفَ الطيران الإسرائيلي مستودعات صواريخ لحزب الله في البقاع وقتل قيادات عسكرية وميدانية للحزب …
تجدرُ الإشارة في هذا السياق بأن نتنياهو يعتبرُ نفسه “بن غوريون جديد” وهو يحاولُ القيام بنفس ما قام به سلفه، وبخاصة تجاه لبنان، فالمنطقة الجنوبية في لبنان والتي يدمِّرها العدو الإسرائيلي ترسمُ في الواقع والحقيقة خطة إسرائيل للأمن الإقليمي.
لبنان تحت رعاية أميركية- أوروبية يحكمها خطٌ أحمرٌ جديد قوامه عدم استهداف إسرائيل البنى التحتية اللبنانية وبنى الدولة اللبنانية، و هناك ثمّة تفاهمٌ بين جزء مهمٍ من الدولة العميقة في واشنطن ونتيناهو حول تحييد التدمير الشامل عن لبنان ولكن…. الى أي حدٍّ يمكن الركون الى تلك الضمانات … لننتظر ونرى …
وبالانتظار، وفي المعلومات المتوافرة، فإن حزب الله اللبناني أوعز الى إعلامييه وجيوشه الإلكترونية ووسائل إعلامه وأبواقه وأقلامه بالتوقّف عن التضخيم والمبالغة في إظهار قوة الحزب، لأنه بذلك يزدادُ إحراجه كونه غير قادرٍ على أن يكون على الصورة التي تُعطى عنه.
المنطقة اذاً دخلت مرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية، والمرجّح، ما لم يحدث تطور دراماتيكي غير محسوب، أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه حالياً، والتفجير المضبوط تحت سقف أميركي واضح المعالم … حتى الانتخابات وهنا كل المخاطر والمفاجآت الممكنة.