في المبدأ لا يمكن ان يجتمع الشيء ونقيضه في مكان وزمان معيّنين…وفي المبدأ ايضا ان الجمع بينهما في الأداء السياسي والوطني هو مقتلٌ شعبي واخلاقي ومبدئي ل “الجامع” ومرتكب الخلط غير المحمود.
على الساحة اللبنانية وفي مراجعة لممارسة العونيين بقياداتهم وجمهورهم منذ النشأة في 1988 نستخلص نحن اللبنانيون كما يستخلص أي مراقب آخر حيادي ومن خارج الحدود، ان التيار العوني كان وما زال علامة فارقة فاقعة في الجمع بين الشيء ونقيضه في أمكنة وازمنة ومواضيع مختلفة وحتى في نفس المكان والزمان والموضوع ليصبح هذا الجمع بين المتباعدَين “ماركة مسجلة” تكاد تكون حصرية للعونيين وآخر اصداراتها تمديد العونيين للبلديات.
ليل 22 – 23 أيلول 1988صدر مرسومان كانا الأخيرين في ولاية الرئيس أمين الجميل، المرسوم رقم 5387 بتعيين قائد الجيش العماد ميشال عون رئيساً لمجلس الوزراء، والمرسوم رقم 5388 بتشكيل الحكومة (مؤلفة من المجلس العسكري في الجيش اللبناني) على النحو التالي:
العماد ميشال نعيم عون (ماروني)، رئيساً لمجلس الوزراء وزيراً للدفاع الوطني وللإعلام.
العقيد عصام نقولا أبو جمرا (روم أرثوذكس) نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية وللإسكان والتعاونيات وللاقتصاد والتجارة.
العميد ادغار فؤاد معلوف (روم كاثوليك) وزيراً للمالية وللصناعة والنفط.
اللواء محمود فؤاد طي أبو ضرغم (درزي) وزيراً للأشغال العامة والنقل والسياحة والعمل.
العميد نبيل محمد أمين قريطم (سني)، وزيراً للخارجية والتربية الوطنية والفنون الجميلة وللداخلية.
العقيد لطفي حيدر جابر (شيعي) وزيراً للموارد المائية والكهربائية وللزراعة والعدل.
لكن الوزراء المسلمين (أبو ضرغم، قريطم وجابر) أعلنوا استقالتهم من الحكومة فور صدور المراسيم، وبالتالي أصبحت من دون المكون المسلم.
هذا الأمر لم يمنع عون وقتها من عقد جلسات الحكومة وأخذ القرارات، وأهمها قرارات السلم والحرب، بحيث شنّ رئيسها وبقرار فردي احادي منه “حرب التحرير” وحربي الغاء” نيابة عن الدولة اللبنانية ” انتهت الى “تنفيسة” واستسلام واجتياحٍ للمناطق المسيحية الحرّة. فالعماد عون وقتها كان يستولي على دور رئيس الجمهورية بصورة كاملة، اذ أقام العلاقات وعقد الصفقات مع رؤساء الدول، كما أصدر مراسيم تجنيس لفلسطينيين وسوريين فحكومته، قامت بأمرين يعتبرهما “التيار العوني” مخالفة دستورية وميثاقية، أولاً استولت على صلاحيات رئيس الجمهورية، وثانياً تفردت بالحكم من دون مكونات البلد الأخرى.
وما قول عون يومها: Je suis président et six ministres الا تعبيرا عن هذا التفرد والاستيلاء وذاك التخطي للصلاحيات.
يكفي ان نذكُر ونذكّر في إطار ممارسة الشيء ونقيضه ان مهمة الحكومة الانتقالية التي ترأسها ميشال عون كانت ضيقة ومحدودة ومحصورة بتسهيل وتأمين انعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية وهذا ما تعهد به عون عند تكليفه.
في ممارسة نقيضة للمهمة الموكلة اليه المذكورة وفي تخطي فاضح لصلاحيات حكومته الانتقالية عمد ميشال عون في 5 تشرين الأول 1989 إلى اصدار مرسوم حلّ بموجبه مجلس النواب اداة ووسيلة “الانتخاب” الدستورية الوحيدة.
مع ان المرسوم صادر عن الجهة التي لا تملك “صلاحية الحلّ” فان الحل كان ذريعة استعملها ميشال عون للاحتفاظ بموقعه في قصر بعبدا وعدم تسليمه للرئيس المنتخب يومها الشهيد رينيه معوض وتأكيدا على هذا قال الجنرال عون في 6 تشرين الأول 1989:”حل مجلس النواب هو الذريعة الأخيرة بحوزتي كي يتراجع النواب عن اتفاق الطائف”
وطبعا بعد “الحل” لم يدعُ عون كما هو مفترض في القانون والدستور الهيئات الناخبة لانتخاب مجلس نواب جديد.
في نقيض ما فعل ومارس في 1989 اعتبر ميشال عون بعيد استقالة وزراء حركة أمل وحزب الله من حكومة السنيورة في 11 تشرين الثاني 2006 هذه الأخيرة حكومة “بتراء وغير ميثاقية” وساقطة دستوريا لعلة غياب الطائفة الشيعية عنها، علما ان حكومة عون الانتقالية التي كان قد حكم بها في 1988-1990 بصلاحيات مطلقة كانت مفتقدة لتمثيل كل الطوائف الاسلامية.
استمر التيار الوطني الحر على الرغم من وصول مؤسسه الى سدة الرئاسة وما بعده برفع “شمّاعة” الحقوق المسيحية والشراكة والصلاحيات في كل مناسبة وعند كل محطة في تشكيل الحكومات وتوزيع الحقائب والتعيينات …وهنا تجلّى الشيء ونقيضه في نفس المواضيع بأماكن وأزمنة بعينها او مختلفة والأمثلة على ما نقول كثيرة نذكر آخرها في طرح العونيين لتعيين قائد الجيش الماروني من “حكومة تصريف الأعمال” التي يرأسها ميقاتي السني والذي يعتبره ميشال عون وباسيل والعونيون مغتصبا لصلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، كما تجلّى الشيء ونقيضه برفض تيار عون “التمديد” لقائد الجيش من مجلس النواب مفضّلا “الفراغ” الذي عاد وخيّر اللبنانيين بينه وبين “التمديد” لتبرير تصويته في جلسة “التمديد” للمجالس البلدية والاختيارية ومن نفس مجلس النواب في حين ان البديل والمتوفر للتمديد كان دعوة اللبنانيين لممارسة حقهم في انتخاب السلطات المحلية.
تجدر الإشارة هنا ان ما فعله باسيل وتياره وبقية النواب في التمديد للبلديات المنحل والمستقيل والمتوقف قسم كبير منها مع الشح المادي الذي لم يعالجه الممدّدون، يضرب امكانية قيام السلطات المحلية بواجباتها بمعالجة وحل أزمة النازحين السوريين “شمّاعة الموسم” عند التيار، وكون البلديات هي الأداة والوسيلة الأساسية لتلك المعالجة وذلك الحلّ فان قيام باسيل بإضعافها وعدم تعزيزها ورفض اعادة تكوينها تمثيليا هو تماما تكرارا وتقليدا لما قام به ميشال عون في 1989 عندما “حل” مجلس النواب المفترض بعون نفسه ان يؤمن انعقاده من ضمن المهمة الموكلة اليه لانتخاب رئيس للجمهورية.
ما تقدّم هو غيض من فيض المقاربات الملتبسة والمتلبسة لبوس الحقوق والقانون والشراكة والصلاحيات التي اتقن التيار العوني المناداة والتبشير بها لفظيا “خُلّبيّا” في حين انها في الممارسة مبدئيا وفعليا لم تتخطَّ حدود المنبر الخطابي في قصر بعبدا، الرابية، البياضة، او ميرنا الشالوحي.