تجمع التقارير الدبلوماسية الغربية والأوساط المراقبة للملف اللبناني على اعتبار الصيف الحالي، الذي سيبدأ اعتبارًا من شهر تموز المقبل، صيف كل الحسم في لبنان.
الحقيقة يجب أن تُقال مهما كانت صعبة: لبنان يتجه خلال الأسابيع المقبلة نحو حسم خياراته عبر خطين: خط المشروع الأميركي الأوروبي الخليجي، وخط المواءمة مع محور إيران وما تبقى منه.
تمييع المبادرات، وتدوير الزوايا، واستمهال المجتمع الدولي، وتملق الأميركيين، لم يعد ينفع… وهذا التذاكي اللبناني على الآخرين بدأت فاعليته تضعف مع اقتراب ساعة الرمل من الإفراغ.
لماذا عاد رئيس الحكومة نواف سلام وتراجع عن قراره إدراج بند جمع السلاح على جدول أعمال مجلس الوزراء كما كان قد أعلن، بحجة الحاجة الغربية العجيبة إلى “إنضاج الأفكار” كما قيل؟ ولماذا جاء هذا التأجيل بعد لقائه الرئيس نبيه بري؟ المبعوث الرئاسي الأميركي توم باراك راجع إلى لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة، لا لحمل المن والسلوى، بل لحمل الرسالة الأميركية الحاسمة، وقد أجمعت تقارير الإعلام الأميركي والأوساط الأميركية الرسمية على التركيز على استياء واشنطن من النهج اللبناني الرسمي في حسم موضوع جمع السلاح من جميع الميليشيات الفلسطينية ومن حزب الله.
ولا تزال الدولة تتكلم عن مزيد من الوقت لإنضاج أفكار.. وأي أفكار لموضوع لا يحتاج لأكثر من تكليف المجلس الأعلى للدفاع بوضع قيد التنفيذ بند سحب السلاح استنادًا إلى الأرضية القانونية والدستورية والتنفيذية التالية:
اتفاقية وقف الأعمال العدائية بتاريخ ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤
اتفاقية الطائف في بند سحب السلاح
اتفاقية الهدنة لعام ١٩٤٩
القرار ١٧٠١
القرار ١٥٥٩
والدستور اللبناني الذي ينص على حصرية السلاح في يد الدولة من خلال اعتبار رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء وخطاب القسم والبيان الوزاري في تأكيده حصرية السلاح، فكل ما تحتاجه الدولة هو وضع كل هذه النصوص موضع التطبيق، والأمر يتم بقرار من المجلس الأعلى للدفاع لا أكثر.
كفى تذرعًا بحرب أهلية، لأن أي مواجهة يقودها أي فصيل ميليشياوي ضد الدولة، سواء حزب الله أو الفلسطينيين، ستُقمع دوليًا، وستكون عواقبها وخيمة على من يعتدي على الدولة.. وجيشها.. فالأميركيون والأوروبيون والعرب والخليجيون كلهم وراء الدولة والجيش اللبناني سياسيًا وماليًا وعسكريًا.
كفى تذرعًا بانكسار طائفة من هنا أو مذهب من هناك نتيجة حرب متهورة تلبية لأجندات خارجية ألحقت الهزيمة بالحزب وبلبنان، وأعادت الاحتلال إلى جنوبه، واستباحة أجواء لبنان وسيادته بتوقيع وموافقة الثنائي.
وقد توالت إلى الآن الفرص تِلوَ الفرص للبنان، ولا نزال مكاننا نراوح.. ثمة مخطط خطير بدأ يُبحث في أروقة القرار الدولي، وسبق لنا أن أشرنا إليه في كتابات سابقة، ومفاده “الخطة ب” التي تقضي بوضع لبنان تحت الوصاية الإقليمية إن لم يُحسم موضوع السلاح خلال الأسابيع المقبلة، وقد بدأ الصبر الأميركي الدولي العربي ينفد، وبخاصة الصبر السعودي الذي يُترجم جمودًا سعوديًا حيال الملف اللبناني، كي لا نقول أكثر، وقد انعكست هذه على حركة اللجنة الخماسية التي تراجع دورها بتراجع الاهتمام السعودي بلبنان.
وفي هذا السياق، نُقلت معلومات مفادها أن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان رفض اقتراح المبعوث الأميركي الرئاسي توم باراك مرافقته إلى بيروت في زيارته المقبلة… فيما الرياض مهتمة بسوريا.
المنطقة باتت في أجواء اتفاقيات السلام الإبراهيمية، ومعسكرها أميركي خليجي أوروبي إسرائيلي مصري أردني تركي، وقد أفادت معلومات دبلوماسية أن توافقًا شبه نهائي على صيغة حل للفلسطينيين، قوامه منح الضفة مع إشراف إداري على القدس الشرقية من دون وجود أمني فلسطيني مباشر، على أن تنتهي الحرب في غزة خلال أسابيع، ويتم تبادل الأسرى، مع منح الغزاويين الخيار بالترحيل أو البقاء في غزة غير قابلة للعيش، فيما تتحول حركة حماس في غزة إلى العمل السياسي وتندمج بناء عليه في هيكليات السلطة الفلسطينية برعاية سعودية إماراتية مصرية وأردنية، في ظل دعم أميركي مباشر، فتُعطى بناء عليه دولة فلسطينية في الضفة الغربية بمعزل عن قطاع غزة، وتذهب المنطقة إلى السلام بأسرع مما يتوقعه البعض.
انتهى وقت التأملات، وانتهت فسحة كسب الوقت، فلبنان يصل قريبًا جدًا جدًا إلى ساعة الحقيقة: فإما تثبت الدولة أنها قادرة على إعادة الهيبة والسلطة على كامل التراب اللبناني، وإما فالفصل السابع والعقوبات الجهنمية والعزلة والانتحار الجماعي.
في الماضي كان ثمة فراغ دستوري، وتمكن حزب الله من حصر المواجهة بينه وبين إسرائيل، لكن هذه المرة التقصير تتحمله الدولة اللبنانية، كما سوف تتحمل العقوبات بدل الاستثمارات والقروض والدعم الدولي والعربي.. لأنها تكون قد فضلت المعسكر الخاسر من جهة، وتمنعت عن تنفيذ التزاماتها الدولية والإقليمية.. فلا نسأل بعدها عن انسحاب إسرائيلي من خمس نقاط إذا ما توسعت الأراضي اللبنانية المحتلة جنوبًا.. ولا نتفاجأ بعد ذلك بإقدام النظام السوري على إقفال الحدود الشرقية والشمالية مع لبنان.
هذا الصيف حار جدًا على لبنان وعلى الدولة الاستعداد الجدي لإنقاذ نفسها من غياهب العقوبات الدولية والعزلة الدولية، بالذهاب نحو خيار الإنقاذ الفعلي، والتوقف عن المعالجات “المطاطية”، والتوقف خاصة عن الخضوع لآراء ورغبات الرئيس نبيه بري.
اللهم إني بلغت… اللهم فاشهد…